Q قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88]، فسرها ابن كثير رحمه الله: إلا ذاته، وقد ذكر أهل العلم ومنهم الشيخ ابن عثيمين والفوزان أن الإمام إذا كان من أهل السنة ومعروف بإثبات الصفات، فإن كلامه في تفسير هذه الآية يرد إلى المحكم من كلامه في إثبات صفة الوجه، وأنه هنا فسر اللازم بالملزوم، فهل هذا صحيح؟
صلى الله عليه وسلم من جاء عنه من أهل السنة مثل هذا الكلام مع أنه يثبت الصفة لله عز وجل لا يقال إنه مؤول؛ لأنه يثبت الذات ويثبت الوجه الذي هو من صفة الذات.
وعلى كل فالإمام البخاري نفسه في الصحيح عند قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] في سورة القصص أتى كعادته يفسر بعض الكلمات، ثم قال: (وجهه) وعبر عنه بقوله: مَلِكَه، فبعض الناس يقول: إنها تفنى إلا مُلْكه، وهذا لا يستقيم؛ لأن كل شيء هو مُلكه، فيكون معناه: كل شيء هالك إلا كل شيء، وهذا لا يستقيم، ولكن المقصود بها المَلِك، كل شيء هالك إلا مَلِكَه، وهذا جاء عنه في التفسير؛ ولكن جاء عنه في كتاب التوحيد ذكر الوجه وذكر الآيات والأحاديث التي في صفة الوجه.
والحافظ ابن حجر ذكر ذلك كما في الشرح: فقال: إن هذا تفسير أبي عبيدة معمر بن المثنى، وقال: إلا هو، يعني: ملِكَه.
ومعنى ذلك أن البقاء لله عز وجل في ذاته وصفاته، فالبقاء للذات والصفات وليس للصفات وحدها، فقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] يعني: إلا صفة الوجه وغير الوجه يغنى هذا لا يستقيم؛ ولكن المقصود إثبات الذات المتصفة بالصفات ومنها صفة الوجه، فالكلام الذي نقل عن الشيخ ابن عثيمين مستقيم ولا شك أن كلام ابن كثير يرد فيه المتشابه إلى المحكم، ولا يقال: إن هذا تأويل؛ لأنه فصل وأثبت الوجه في مكان آخر، لكن الجواب الصحيح في هذا أن يقال: إثبات الذات والصفات ومنها صفة الوجه.
أما الآية التي في سورة الرحمن فكما هو معلوم أن الوصف جاء للوجه، ولهذا قال: ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو)) ما قال: (ذي) يعني: بحيث يصير وصفاً للمضاف إليه الذي هو الرب، وإنما هو وصف لـ (ذو) الذي هو الوجه، ففيه إثبات الصفة وإثبات الذات المتصفة بالصفات، ومنها صفة الوجه، وفي آخر سورة الرحمن جاء الوصف يرجع إلى المضاف إليه، قال عز وجل: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:78] فصار الوصف بـ (ذي) يرجع إلى المضاف إليه الذي هو الرب.