قال المصنف رحمه الله تعالى: [أبواب النوم باب في الرجل ينبطح على بطنه.
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن يعيش بن طخفة بن قيس الغفاري قال: (كان أبي رضي الله عنه من أصحاب الصفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلقوا بنا إلى بيت عائشة رضي الله عنها فانطلقنا، فقال: يا عائشة! أطعمينا.
فجاءت بجشيشة فأكلنا، ثم قال: يا عائشة! أطعمينا.
فجاءت بحيسة مثل القطاة فأكلنا، ثم قال: يا عائشة! أسقينا.
فجاءت بعس من لبن فشربنا، ثم قال: يا عائشة! أسقينا.
فجاءت بقدح صغير فشربنا، ثم قال: إن شئتم بتم وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد، قال: فبينما أنا مضطجع في المسجد من السحر على بطني إذا رجل يحركني برجله، فقال: إن هذه ضجعة يبغضها الله، قال: فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].
أورد أبو داود رحمه الله تعالى [أبواب النوم] أي: الأبواب المتعلقة بالنوم وأحكامه وآدابه، فعنون لها بهذا العنوان العام، ثم أتى بأبواب متفرقة تندرج تحت هذا التبويب العام فقال: [باب في الرجل ينبطح على بطنه] أي: في حال نومه يكون منبطحاً على بطنه.
ومعلوم أن ذكر الرجل ليس له مفهوم كما جاء مراراً وتكراراً، فحكم المرأة كحكم الرجل ولا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا جاءت النصوص تدل على أن هذه الأحكام خاصة بالرجال، أو أن هذه الأحكام خاصة بالنساء، فعند ذلك يصار إلى هذا التمييز، وأما إذا لم يأت شيء يدل على اختصاص الرجال بشيء أو النساء بشيء، فإن الحكم يشمل الرجال والنساء.
أورد أبو داود رحمه الله حديث يعيش ين طخفة الغفاري قال: كان أبي من أهل الصفة وإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليهم وقال: انطلقوا بنا إلى بيت عائشة.
فذهبوا إليها وقال: يا عائشة أطعمينا.
فأطعمتهم جشيشة، والجشيشة هي البر الذي لم يطحن بحيث يكون دقيقاً، ثم إنه طبخ وقدم، وهو الذي يسمى في هذا الزمان الجريش، فقدمته لهم.
ثم قال: (يا عائشة أطعمينا.
فأتتهم بحيسة مثل القطاة) يعني: قطعة من الحيس، والحيس هو التمر والأقط والسمن إذا جمع بينها وخلطت، وقد يكون معها سويق؛ لأنه يتكون من الأشياء الثلاثة بدون سويق، وقد يضاف إليه سويق فتكون أجزاؤه أربعة: التمر والأقط والسمن والسويق، والسويق هو البر الذي قلي ثم طحن.
وفي القاموس قال: إن الحيس هو الذي جمع أو ألف من التمر والأقط والسمن، وقال: ربما أضيف إليه السويق.
فمن قال: إنه مكون من ثلاثة فهو كذلك، ومن قال: إنه مكون من أربعة فإنه يكون كذلك، ويضرب المثل بالحيس للشيء الذي حصل اختلاطه وامتزاجه، ومنه قول القائل: واختلط الناس اختلاط الحيس.
يعني: أن هذه الأمور الثلاثة دخل بعضها في بعض وامتزجت.
قوله: [(مثل القطاة)] والقطاة طائر من الطيور يشبه الحمام ولكنه ليس من الحمام؛ لأن الحمام يأتي للبساتين ويأتي للنخل، وأما القطاة فإنها تكون بعيداً في أماكن خالية، ولهذا فإن الذين يصطادونها يعملون له حياضاً ومشارع في الفلاة ويضعون عليها شباكاً، ثم يصيدونها بهذه الوسيلة؛ لأنها تعيش في الفلاة وليست مثل الحمام الذي يعيش مع الناس ويقع على أشجارهم.
فقوله: [(مثل القطاة)] يعني: أنه شيء قليل مثل حجم القطاة؛ لقلته وصغر حجمه.
قوله: [(أسقينا.
فجاءت بعس من لبن)] قيل: إن العس هو القدح الكبير.
قوله: [(ثم قال: يا عائشة أسقينا.
فأتتهم بقدح صغير فشربوا، ثم قال: إن شئتم بتم وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد)] يعني: من شاء أن ينام فلينم وإلا فلينطلق.
فانطلقوا، ونام والد يعيش في المسجد، وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم وهو منبطح على بطنه من السحر فحركه برجله وقال: (إنها ضجعة يبغضها الله، قال: فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم) والحديث أورده أبو داود من أجل هذه الجملة التي في آخره، وهي الضجعة التي يبغضها الله.
وقوله: [(من السحر)] قيل: إنه من آخر الليل، وقيل: إنه من السحر الذي هو ما يكون بين الرقبة وبين البطن والذي يقال له سحر، ولهذا جاء عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بين سحري ونحري) يعني: بين رقبتها وما فوق بطنها، فإن هذا يقال له: سحر: فقيل: إنه فعل ذلك للعلاج أو لأنه يؤلمه وأراد أن يتكئ به على الأرض.
والحديث فيه اضطراب في اسم يعيش بن طخفة أو قيس بن طخفة وجاء على عدة أوجه، ولكن هذه الجملة الأخيرة جاءت عند ابن ماجة من طريق أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه فهي ثابتة.
وأما ما جاء في أوله من ذكر الطعام والشراب، وكونه طلب منها مرتين أن تطعمهم ثم مرتين أن تسقيهم، فهذا جاء بهذا الإسناد الذي فيه الاضطراب، وأما ما جاء في آخره، فإنه قد جاء عند ابن ماجة من طريقين، وهو مقتصر على هذه الجملة التي هي الضجعة التي يبغضها الله عز وجل.