قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن داود بن سفيان وخشيش بن أصرم قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنازة)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة: خمس تجب على المسلم لأخيه المسلم وهي: رد السلام، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، واتباع الجنازة، وإجابة الدعوة.
هذه تجب على المسلم لأخيه، وهذا يدل على وجوب التشميت للعاطس، واختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إنه وجوب عيني، ومنهم من قال: إنه وجوب كفائي.
قوله: [(خمس تجب للمسلم على أخيه)].
هذا الأسلوب من الأساليب التي جاءت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو كونه يذكر العدد أولاً ثم يذكر المعدود بعد ذلك؛ لأن هذا فيه تحفيز السامع إلى أن يتهيأ لاستيعاب هذا العدد، وألا يفوته منه شيء، وأنه إن قصر عن استيعابه فمعناه أنه فاته شيء، وهذا من كمال بيانه وكمال نصحه لأمته عليه الصلاة والسلام، فإنه يأتي بمثل هذه العبارات التي تحفز السامعين إلى أن يعنوا وأن يهتموا بما يلقى بعد ذكر هذه الخمس، بخلاف ما لو جاء المعدود بدون ذكر العدد في الأول، فإن الإنسان قد يفوته شيء ولا يدري أنه قد فاته.
وقد جاء هذا كثيراً في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، منها: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان) ومنها: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً) ومنها: (خمس من الفطرة) وهنا: (خمس تجب على أخيه المسلم) ومنها: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن) يعني: ذكر أنهما كلمتان وذكر صفاتهما ثم ذكرهما في الآخر: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).
فهذا الحديث من أمثلة ما اشتمل عليه كلامه صلى الله عليه وسلم من البلاغة، وما اتصف به صلى الله عليه وسلم من كمال النصح للأمة، فهو أفصح الناس وأنصح الناس للناس عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
قوله: [(خمس تجب للمسلم)].
وهذا فيه التصريح بالوجوب.
قوله: [(للمسلم على أخيه)] ومعنى هذا: أن هذا الحق إنما هو للمسلم وليس لغيره.
قوله: [(رد السلام)] ورد السلام واجب، وابتداؤه سنة، وهذا مما يقال فيه: إن السنة فيه أفضل من الواجب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) فالذي يبدأ بالسلام ويبادر إليه أحسن وأفضل ممن يُسْبَقُ بالسلام، ويكون شأنه راداً وليس مبتدئاً، لكن كما هو معلوم جاءت أحاديث تبين من الناس من يكون منه السلام، كأن يسلم الراكب على الماشي، والماشي على الجالس وهكذا.
قوله: [(وتشميت العاطس)].
وتشميت العاطس هو ما نحن فيه.
قوله: [(وإجابة الدعوة)].
آكد ما يكون فيها دعوة الزواج ووليمة العرس، وكذلك إذا كانت الدعوة يترتب عليها مصلحة وفائدة كبيرة، ولا يترتب على الإنسان مضرة، أو لم يحصل فيه إخلال بعمل أو بموعد آخر أو ما إلى ذلك، فإن ذلك متأكد.
قوله: [(وعيادة المريض)].
يعني: كون الإنسان يعود أخاه في مرضه، فإنه يدخل عليه السرور ويؤنسه، وهو في ظرف وفي حالة هو بحاجة إلى الإيناس وإلى أن يحسن إليه وأن يسر، بأن يؤتى إليه ويدعى له ويطمأن.
قوله: [(واتباع الجنازة)].
يعني: إذا مات فإنه يتبع جنازته.