قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس -يعني: لبيانهما- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحراً، أو إن بعض البيان لسحر)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: [(قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس يعني لبيانهما)] فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(إن من البيان لسحراً، أو إن بعض البيان لسحر)].
وهذا فيه بيان أن من الكلام ما يكون فيه فصاحة وبلاغة، فإن كان عن تكلف فهو الذي سبق أن مر ذمه، وأما إذا كان من غير تكلف فإنه محمود إذا صرف فيما هو خير، ومذموم إن صرف فيما هو شر.
والإمام أبو داود أورده في باب التشدق في الكلام، ومعلوم أن التشدق في الكلام مذموم، لكنه يحمل على ما إذا كان عن تكلف، وأما إذا كان عن طبيعة وجبلة وسليقة وليس فيه تكلف، فإنه يكون محموداً إذا كان الإتيان به فيما هو خير، أما إذا كانت الفصاحة والبلاغة الجبلية الطبيعية صرفت فيما هو شر فهي شر.
ومعلوم أن الباب باب ذم وليس باب مدح، ولكنه كما أشرت يحمل على أن المقصود به ما إذا كان عن تكلف، أو فصاحة طبيعية جبلية ولكنها صرفت في شر، ولكن ورود حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: [(إن من البيان لسحراً)] الذي يبدو أنه مدح؛ لأنه كلام أعجبوا به، وليس فيه شيء يدل على الذم، ولكنَّ أبا داود أورده في باب التشدق فيحمل إيراده إياه على ما إذا كان عن طريق التكلف، أو أنه استعمل في شر، لأن من الناس من يكون فصيحاً بليغاً فيستخدم بلاغته في الشر ونشر الباطل وإظهار الباطل وإغواء الناس والعياذ بالله، ومنهم من يكون فصيحاً وفصاحته تستعمل في الخير.
قوله: [(قدم رجلان من المشرق)].
الرجلان هما: الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم.