قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما روي في الرخصة في ذلك.
حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: (كان فزع بالمدينة، فركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرساً لـ أبي طلحة رضي الله عنه فقال: ما رأينا شيئاً، أو ما رأينا من فزع، وإن وجدناه لبحراً)].
قوله: [باب ما روي في الرخصة في ذلك] يعني: في جواز تسمية صلاة العشاء بصلاة العتمة، وأن الباب الأول يفيد على أن الأولى هو عدم الإكثار منها، وألا يغلب ذلك الاسم الذي اشتهر عند الأعراب، ويهجر الاسم الذي جاء في القرآن، وهنا الحديث ليس له علاقة بالذي قبله، لكن يمكن أن يكون له علاقة بالذي قبله من حيث التعبير بلفظ آخر غير المشهور، وأنه لا بأس بذلك؛ لأنه ذكر البحر، والبحر كما هو معلوم أنه الماء المعروف، والرسول صلى الله عليه وسلم وصف الفرس الذي ركب عليه وكان عرياً ليس عليه سرج بقوله: [(وإن وجدناه لبحراً)] يعني: أنه شديد الجري وشديد العدو، وأنه يشبه البحر في سيلانه وتدفقه، أو كونه يسبح في الفضاء فوق الأرض مثل ما يحصل من الأمواج في البحر، فهو يموج وينتقل ويضطرب ويذهب بسرعة.
فيكون المقصود من ذلك أن مثل هذا التعبير سائغ؛ لأن البحر في الحقيقة يقصد به البحر الجاري.
أما بالنسبة للعتمة فإنه ليس فيه شيء يدل عليها، ولكنه قد جاء ما يدل عليها مثل الحديث الذي أشرت إليه: (لو يعلم الناس ما في الفجر والعتمة) وقد جاء في الحديث الذي في قصة المنافقين: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً).
قوله: [(كان فزع بالمدينة فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً)].
يعني: أصاب الناس فزع على اعتبار وصول أعداء لهم غازين على المدينة، فسمعوا الصوت فأسرعوا، وسبقهم الرسول صلى الله عليه وسلم فركب على فرس عري ليس عليه سرج وكان بطيئاً، ولكن الله تعالى أجراه حتى سبق الناس ورجع إليهم وهم ذاهبون فقال: لا خوف عليكم، وهذا الذي سمعتموه ليس له حقيقة، ولم يحصل الشيء الذي تخافونه، فطمأنهم عليه الصلاة والسلام.
والحديث طويل وهو هنا مختصر.