قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الرجل يتكنى وليس له ولد.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى أبا عمير، وكان له نغر يلعب به فمات، فدخل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فرآه حزيناً، فقال: ما شأنه؟ قالوا: مات نغره، فقال: يا أبا عمير! ما فعل النغير؟)].
أورد أبو داود باباً في الرجل يتكنى وليس له ولد.
يعني: لا يلزم أن تكون الكنية بسبب وجود الولد، بل يمكن أن تكون قبل أن يوجد ولد، وقد تكون للصغير أيضاً، ومن المعلوم أن من الصحابة من اشتهر بكنيته.
من المعلوم أن بعض الصحابة الكبار رضي الله عنهم وأرضاهم كان لهم كنى ليست على أسماء أولاد لهم، ومن أشهر هؤلاء أفضل هذه الأمة بعد الأنبياء والمرسلين أبو بكر وعمر؛ فإن أبا بكر كنيته أبو بكر وليس له ولد اسمه بكر، وعمر كنيته أبو حفص وليس له ولد اسمه حفص، وكذلك خالد بن الوليد كنيته أبو سليمان وليس له ولد اسمه سليمان، فالكنية تكون من غير ولد، فيتكنى الإنسان بكنية حتى وإن لم تكن باسم أحد أبنائه أو حتى مع عدم وجود الولد وقد يكنى الصغير أيضاً من حين ولادته، وقد يكون السبب في تكنيته أنه اختير له اسم أحد الصحابة فكني بكنية ذلك الصحابي؛ لأن المقصود بتسميته أنه سمي باسم ذلك الصحابي فيكنى بكنية ذلك الصحابي وهو صغير.
والحديث يدل على جواز تكنية الصغير، وأن هذا ليس من الكذب؛ لأن التكنية ليس بلازم أن تكون عن ولد، بل تكون بدون ولد، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله في قصة أخي أنس بن مالك رضي الله عنه، وأبوه هو أبو طلحة وأمه أم سليم.
وأبو عمير هذا قيل هو الذي كان مريضاً، وكان أبو طلحة يسأل عنه، وعندما توفي ما أرادت أمه أن تفاجئه بالوفاة، ولكنها أخفت عليه الأمر، وعرضت بما يدل على وجوده، والتعريض هو: أن يقول القائل كلاماً يريد شيئاً فيفهم المخاطب شيئاً آخر، فسألها عن الغلام فقدمت له العشاء، وتهيأت وتجملت، وجامعها، وبعد ذلك أخبرته، ولكنه عندما سألها من قبل: كيف هو؟ قالت: استراح وسكنت نفسه.
وكانت تعني أنه مات وانتهى، وأيضاً سكنت نفسه إذا مات، وهو فهم أنه استراح من المرض، فهي أرادت شيئاً وفهم الرجل شيئاً آخر.
فلما أخبرته أنكر عليها، وبعد ذلك جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال: (هل عرستما؟ قال: نعم.
فقال: بارك الله لكما في ليلتكما)، ثم ولد لهما مولود، ولعله عبد الله الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم وحنكه، كما مر في الحديث السابق أنه كان يهنأ بعيراً له، وأنه لما ولد أتى به إليه أخوه أنس، ثم قال: (معك تمرات؟ فأخذها ولاكها ثم وضعها في فم الغلام، وجعل الغلام يتلمظ وقال: حب الأنصار التمر! وسماه عبد الله) وبورك في ذلك الولد وفي نسله.
فالحاصل أن هذا الغلام أبا عمير هو الذي توفي، وحصل الوقاع في تلك الليلة، وحملت بـ عبد الله هذا الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم وحنكه، فيجوز أن يكنى الصغير، ولا يعتبر ذلك من الكذب، وفيه أيضاً ملاطفة الصغير وتأنيسه ومداعبته.
[عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى أبا عمير، وكان له نغر يلعب به)].
النغر: طائر صغير كالعصفور أو نحوه، معناه: أنه يستأنس به.
[(فمات فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرآه حزيناً، فقال: ما شأنه؟).
رآه حزيناً لأن نغره قد مات، فتأثر ذلك الصبي فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أهله عن سبب حزنه، فقالوا: إنه قد مات نغره، فقال: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟).
يعني: ما حال النغير؟ لكن هذا غير صحيح، فإن الأحاديث الكثيرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت بالنهي عن صيد المدينة، وقال: (لا يصاد صيدها، ولا يقطع شجرها)، وقال أبو هريرة كما في الصحيح: (لو وجدت الظباء ترتع في المدينة ما ذعرتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرم ما بين لابتيها)، فالذي يبدو أن هذا صيد قد أدخل وليس مصيداً في المدينة؛ لأن المدينة لا يجوز أن يصاد بها الصيد، فهذا خطأ، والحديث ليس فيه أنه صِيد في المدينة، بل الأحاديث الكثيرة كلها تدل على تحريم صيد المدينة، ولكن الذي يفهم أن هذا الصيد قد أخذ من خارج الحرم.
لكن الحديث يدل على جواز حبس الطيور إذا أحسن إليها، ولم يحصل لها أذى، ومثل هذا إحضار الدجاج إلى البيوت والحمام، المهم: أنه يحسن إليها، وأما حبسها مع إيذائها، أو عدم الإحسان إليها فيدخل تحت قصة صاحبة الهرة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها).
فقوله: لا هي أطعمتها إذ حبستها.
يدل على الجواز، (ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).