قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: (ذهبت بـ عبد الله بن أبي طلحة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين ولد، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في عباءة يهنأ بعيراً له، قال: هل معك تمر؟ قلت: نعم، قال: فناولته تمرات فألقاهن في فيه، فلاكهن ثم فغر فاه، فأوجرهن إياه، فجعل الصبي يتلمظ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: حب الأنصار التمر، وسماه عبد الله)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه ذهب بأخيه لأمه عبد الله بن أبي طلحة لما ولد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليحنكه، ووجده يهنأ بعيراً، أي: يطليه بقطران لجرب فيه، فقال: أمعك تمر؟ قال: نعم، فأخذهن النبي صلى الله عليه وسلم ولاكهن في فيه حتى صار ذلك التمر سائلاً، ثم فغر فم الصبي، ووضعها في فمه، قال: (فأوجرهن) أي: أنه وضعها في حلقه ودلكه، والوجور هو ما يصب في الحلق، والسعوط: هو ما يوضع في الأنف، وأما الفعل فيقال: وُجور وسعوط، مثل طَهور وطُهور ووَضوء ووُضوء، وغيرها من الألفاظ التي تأتي بفتح وضم أولها، فيراد بالمفتوح الشيء الذي يستعمل، والمضموم يراد به الاستعمال، أو نفس الفعل؛ فأوجرهم أي: وضعهن في حلقه ودلكها.
قوله: (فجعل الصبي يتلمظ) أي: يحرك لسانه في فمه يتتبع تلك الحلاوة.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حِبُ الأنصار التمر) قال النووي: روي بالكسر وروي بالضم، فعلى الكسر (حِب) بمعنى محبوب، مثلما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن زيداً حِبه وأسامة حبه، أي: محبوبه، فيكون معنى قوله: (حب الأنصار التمر) أي: محبوب الأنصار التمر، أو: حب الأنصار التمر حاصل أو واقع في التمر.
قوله: (وسماه عبد الله) أي: حنكه وسماه عبد الله.
ومما ينبغي أن يعلم: أن التحنيك لا يصلح أن يقصد به أحد من أجل فضله ليحنك؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما فعلوا هذا إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما فعلوه مع أبي بكر ولا مع عمر ولا مع عثمان ولا مع علي، وهم خير الناس، إذاً: لا يصلح أن يقصد بعض الناس من أجل التبرك بريقه، ورجاء البركة من ريقه ليكون في فم ذلك الصبي، بل يحنكه أبوه أو أمه أو أخته أو جدته أو أي أحد من أقاربه، ولا يقصد به أحد من الناس لفضله من أجل أن يحنك؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم -كما ذكر ذلك الشاطبي في الاعتصام- ما فعلوا هذا مع خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، فدل هذا على أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم يتبرك بما لامس جسده، ولهذا كان الصحابة يتبركون ببصاقه وبفضل وضوئه، وبشعره، وبما من جسده صلى الله عليه وسلم، وما كان ذلك يفعل مع غيره عليه الصلاة والسلام.
إذاً: هذا من خصائصه، ولهذا لا يجوز أن يعمل ذلك مع غيره بأن يتبرك بعرقه أو بشيء مما مس جسده، ولا يكون هذا في غير رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقد سماه عبد الله بن أبي طلحة الذي هو اسم من أحب الأسماء إلى الله، كما جاء في الحديث المتقدم: (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن).
وأنس هو أخوه لأمه؛ لأن أبا طلحة هو زوج أم سليم التي هي أم أنس، وعبد الله هذا ابنها من أبي طلحة، فهو أخوه لأمه.