قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إصلاح ذات البين.
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في إصلاح ذات البين، والمقصود بذلك: الإصلاح بين الناس إذا حصل منهم تباين وافتراق، والبين المقصود به: الفرقة، يقال: بان كذا من كذا، أي: تميز عنه وفارقه، وبانوا أي: ذهبوا وبعدوا.
فالمقصود بإصلاح ذات البين: إصلاح ما يحصل من فرقة ووحشة ومن تباغض وتدابر بين الناس، فيسعى المصلح للإصلاح بينهم، ويقرب بينهم بحيث يزول ما في النفوس، ويحل الإخاء والمودة بدل الوحشة والفرقة.
وقد أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجه الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة) أي: أنها تحلق الدين, فليس المقصود حلق الشعر وإنما حلق الدين، وهذا يبين خطورة ما يحصل من الفرقة بين الناس، وأنه سبب الأضرار الكبيرة التي تجري بينهم، وما يترتب على ذلك من اعتداء بعضهم على بعض وكلام بعضهم في بعض، ولكنه إذا أصلح بينهم وأزيلت الفرقة فإن النفوس تتقارب وتتآلف وتسلم من الأخطار التي تترتب على ذلك.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عظم شأن الإصلاح بين الناس، وما يترتب على التقارب والتآلف وصفاء النفوس من الخير الكثير، وما يحصل بخلاف ذلك من ضرر كبير، وقد ذكر الصلاة والصيام لأن هذه عبادات مقصورة غير متعدية لا تتجاوز صاحبها، والصدقة متعدية النفع، ولكنها تتعلق بالنفع الدنيوي وحصول الفائدة في المعاش، ولكن إصلاح ذات البين يترتب عليه الخير الكثير؛ لما فيه من زوال الوحشة وزوال الفرقة وحصول الخير الكثير في ذلك، واندفاع الأضرار الكبيرة التي وصف ضدها وهو فساد ذات البين بأنها الحالقة، وليس المراد أنها تحلق الشعر، وإنما المراد: أنها تحلق الدين، وهذا يدل على الخطورة، ويوضح ذلك تفضيل الإصلاح على درجة الصوم والصلاة والصدقة.