قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التواضع.
حدثنا أحمد بن حفص قال: حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج عن قتادة عن يزيد بن عبد الله عن عياض بن حمار رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: باب في التواضع، والتواضع: هو ضد التكبر، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد)، وذلك أن التواضع فيه سلامة من البغي، والتعدي على الغير، وكذلك التفاخر، وبعكس ذلك التكبر، فإنه يؤدي إلى البغي، ويؤدي إلى الفخر، والتواضع يحصل منه السلامة من ذلك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي -أي: بسبب التواضع - أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد)، وبعكس ذلك يحصل البغي، ويحصل التكبر، ويحصل الفخر.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أوحى إلي)، هذا يدلنا على أن السنة وحي من الله، وأن ما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم من السنة هو وحي من الله، كما أن ما في الكتاب وحي من الله، فالكتاب وحي والسنة وحي، إلا أن الكتاب متعبد بتلاوته والعمل به، وأما السنة فإنه يتعبد بالعمل بها كما يتعبد بالكتاب، ولهذا أطلق عليها أنها وحي، والله عز وجل يقول: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]، وجاء في عدة أحاديث ما يدل على ذلك، ومنها الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشهيد يغفر له كل شيء) ثم قال: (إلا الدين، سارني به جبريل آنفاً)، أي: أن هذا العموم حصل فيه استثناء بالوحي من جبريل، ولذا قال: (سارني به) أي: بهذا الاستثناء الذي هو الدين، فهذا يدل على أن السنة وحي، وأنها من الله عز وجل، فالقرآن وحي والسنة وحي، والكل يجب العمل به، والعمل بالسنة كما هو معلوم عمل بالقرآن؛ لأن الله يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7].
وبعض العوام يقولون: (الكبر على المتكبر صدقة)، وهذا غير صحيح، فالإنسان لا يتكبر لا على المتكبر ولا على غيره، والإنسان لا يعود نفسه التكبر؛ لأن الإنسان إذا عود نفسه التكبر ألف التكبر، ولذا لا يتكبر على المتكبر ولا على غيره.