قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا الحارث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله! علمني سنة الأذان.
قال: فمسح مقدم رأسي وقال: (تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر.
ترفع بها صوتك، ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله.
تخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح.
فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله)].
أورد المصنف رحمه الله حديث أبي محذورة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان صفة الأذان وكيفيته، وهو يشتمل على كيفية أخرى للأذان، وهي مثل الطريقة السابقة التي جاءت عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، إلا أن فيها ترجيعاً، ويكون الترجيع للشهادتين بأن يؤتى بها أولاً بخفض الصوت، ثم يؤتى بها برفع الصوت، فتكون الصيغ تسع عشرة جملة، وفي حديث عبد الله بن زيد خمس عشرة جملة، لأنه ليس فيه ترجيع، وحديث أبي محذورة فيه الترجيع.
والترجيع أربع كلمات أو جمل هي (أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله)، تذكر مرتين: مرة في البداية بخفض صوت، ثم مرة أخرى برفع صوت، فتكون الألفاظ تسع عشرة جملة بإضافة الأربع التي هي بسبب الترجيع، والترجيع معناه أنه يرجع إلى اللفظ الذي قاله أولاً بخفض صوت فيأتي به برفع صوت.
فحديث أبي محذورة مثل حديث عبد الله بن زيد إلا أن فيه زيادة الترجيع ويكون الترجيح عند هذه الكلمات الأربع، أي: الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة أربع مرات بخفض الصوت وأربع مرات برفع الصوت.
وإذا كان في أذان الصبح يضيف إلى ذلك: (الصلاة خير من النوم) مرتين، ويؤتى بها في ذلك الوقت لبيان أن الصلاة خير من هذا النوم الذي تلذذ فيه المتلذذون، وطاب لهم فيه فراش، وحصل لهم الارتياح والاطمئنان والهدوء، ومن المعلوم أنه ليس هناك تناسب بين الصلاة والنوم، فالصلاة عبادة لله عز وجل، والنوم إذا كان بنية التقوّي على عبادة أو على أمر ينفع فهذا شيء طيب، وأما إذا لم يكن كذلك فإنه قد يترتب عليه مضرة بأن ينام عن الصلاة، أو أن يؤخر الصلاة، ويترتب على ذلك ضرر.
فالمقصود من قول (الصلاة خير من النوم) هو أن ما تدعون إليه خير مما أنتم فيه، فهبُّوا من نومكم، وقوموا من فُرشكم، وتوضئوا واستعدوا للصلاة، وهلموا إلى المساجد لأداء الصلاة.
ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر)؛ لأن صلاة العشاء تأتي في أول الليل حيث يكون الناس بحاجة إلى الراحة والنوم بعد التعب والكدح في النهار، وصلاة الفجر تأتي في الوقت الذي طاب فيه الفراش وحصل الاستغراق في النوم والارتياح والتلذذ به، فجاء عند ذلك النداء: الصلاة خير من النوم لبيان أن ما يدعون إليه خير مما هم فيه.
قوله: [قلت: يا رسول الله! علمني سنة الأذان].
القائل هو أبو محذورة رضي الله عنه، والسنة في اللغة: الطريقة، كما في الحديث: (عليكم بسنتي)، يعني: طريقتي ومنهجي.
فمعنى سنة الأذان: طريقة الأذان، أو الكيفية التي يكون بها الأذان.
فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجمل التسع عشرة، ويضاف إليها في الفجر (الصلاة خير من النوم) مرتين، فيكون المجموع إحدى وعشرين جملة في أذان الفجر، وفي غير الفجر تكون تسع عشرة جملة.
قوله: [قال: فمسح مقدّم رأسي].
هذا أبلغ في التعليم، كما جاء في حديث عبد الله بن عمر: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)؛ لأن هذا يكون أبلغ وأمكن في النفس، وكما فعل جابر بن عبد الله لـ محمد بن علي بن الحسين في قصة حجة الوداع، لما جاء إليه جماعة، وطلبوا منه أن يحدثهم، فسألهم عن أسمائهم، حتى عرف من بينهم محمد بن علي بن الحسين فقربه وجعل يده على صدره، وجعل يحدثهم بحديث صفة حج الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أطول حديث في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، الذي جاء من طريق محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بـ الباقر رحمة الله عليه.
فهذه الطريقة في التعليم تجعل الحفظ يكون أمكن، وتساعد الإنسان على أن يتذكر الشيء الذي قيل له، ويعرف الهيئة التي كانت عند التحديث.