قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني علي بن الأقمر عن أبي حذيفة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا -قال غير مسدد: تعني قصيرة- قال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته.
قالت: وحكيت له إنساناً فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم في صفية: (حسبك من صفية كذا وكذا) أي: يكفيك منها أنها قصيرة، وهذا كما جاء في الحديث: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) أي: يكفيه من الشر أن يحقر أخاه المسلم وإن لم يضف إليه شر آخر.
وقوله: (قال غير مسدد: تعني قصيرة) هذا هو الذي كني عنه في بعض الروايات بقوله: كذا وكذا، يعني: أنها قالت: قصيرة.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) أي: لو خلطت به لشدتها وخطورتها لغيرت ماءه، وهذا فيه إشارة إلى خطورة مثل هذا الكلام الذي هو الغيبة.
وقوله: [قالت: (وحكيت له إنساناً، فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا)].
أي: أنها فعلت مثل فعله، أو قلدت هيئته، فقال: (ما أحب أني حكيت إنساناً ولي كذا وكذا) أي: أن هذا العمل غير سائغ، وهذا الحديث يدل على تحريم التمثيل، الذي هو مبني على الحكاية، ومبني على التقليد، وعلى -كما يقولون- تقمص شخصية شخص آخر، وأنه يأتي بحركات وأفعال تضاف إليه، فهو من جملة الأحاديث التي تدل على أن التمثيل الذي ابتلي به كثير من الناس في هذا الزمان غير جائز، ومما يدل على تحريمه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويل لمن يكذب ليضحك القوم، ويل له ثم ويل له)، ومعلوم أن التمثيل مبني على الكذب.