قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الغيبة.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه قيل: يا رسول الله! ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في الغيبة، والغيبة كما جاءت في الحديث: ذكرك أخاك بما يكره، وقيل لها: غيبة لأنه يذكره في غيبته بما يكره.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه قيل: ما الغيبة يا رسول الله؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)، يعني: كونك تذكره بشيء هو فيه وهو يسوءه فإن هذا غيبة، ولكنك إن كذبت عليه، وأضفت إليه شيئاً ليس فيه فإن هذا يكون بهتاً له؛ لأنه كذب وبهتان، فإضافة شيء إليه وهو بريء منه هذا بهتان، وإن كان فيه فهو غيبة، وكله كلام فيه في غيبته، فإن كان الذي تُكلم فيه في غيبته هو فيه فهو غيبة؛ لأن ذلك يسوءه، وإن لم يكن فيه وإنما هو مفترىً عليه وكذب فإنه يكون بهتاناً وهو أشد وأعظم.
وإن كان فيه وهو حاضر والمقصود من ذلك التظلم، كأن يقول: إنك ظلمتني أو إنك خنتني أو إنك كذا في أمور هي واقعة فيه فهذا لا بأس به، أما إذا كان ذلك كذباً عليه أو ما إلى ذلك فإن هذا لا يجوز، وكذلك إذا كان ليس هناك مناسبة أو ليس هناك أمر يقتضيه.
والغيبة استثني منها أمور ذكرها العلماء تصل إلى سبعة، وذكرت في المصطلح وفي الجرح والتعديل، وذكرها النووي في رياض الصالحين عند ذكر الغيبة، ومنها كون الإنسان يتظلم، كأن يذهب إلى القاضي ويقول: ظلمني فلان، ولهذا جاء في الحديث (مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته) أي: يحل عرضه بأن يتكلم فيه، لكونه ظلمه، فالمظلوم يتكلم في ظالمه في حدود ما ظلمه ولا يتجاوز ذلك، هذا سائغ.
وكذلك في المشورة، فعندما يستشار الإنسان في إنسان من أجل مصاهرة أو من أجل مشاركة في تجارة، أو ما إلى ذلك، فإن المستشار يذكر ما فيه, والرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءت المرأة وقالت: إن معاوية وأبا جهم خطباها، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه).