قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في القتات.
حدثنا مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قتات)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في القتات، والقتات: هو النمام، وقد جاء في بعض الروايات: (نمام) بدل (قتات)، وكلاهما في الصحيح، إما عند البخاري أو عند مسلم.
وقوله: (لا يدخل الجنة قتات) ليس المقصود من ذلك أنه لا يدخل الجنة أبداً، وأنه يكون خالداً مخلداً في النار؛ لأن مثل هذا هو الذي يعول عليه الخوارج والمعتزلة الذين يغلبون جانب أحاديث الوعيد، ويهملون جانب أحاديث الوعد، فيكفرون مرتكب الكبيرة، ويقولون بتخليده في النار بمثل هذا الحديث: (لا يدخل الجنة قتات).
فأهل السنة يوفقون بين أحاديث الوعد وأحاديث الوعيد، ولا يهملون شيئاً منها، فلا يأخذون بأحاديث الوعد ويغفلون أحاديث الوعيد، ولا يأخذون بأحاديث الوعيد ويغفلون أحاديث الوعد، بل يأخذونها جميعاً، ومن وفقه الله عز وجل وتجاوز عنه فإنه يسلم من العقوبة, والله تعالى يغفر كل ذنب إلا الشرك فإنه لا يغفر، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فمن شاء الله تعالى أن يغفر له فإنه يغفر له ذنبه ويدخل الجنة من أول وهلة، لكن من لم يحصل له مغفرة ولا تجاوز وعفو فإنه يدخل النار، ولكنه إذا دخلها لا يخلد كما يخلد الكفار، بل لا بد أن يخرج من النار ويدخل الجنة، كما جاءت بذلك أحاديث الشفاعة المتواترة التي فيها إخراج أصحاب الكبائر من النار بشفاعة الشافعين وبعفو أرحم الراحمين سبحانه وتعالى، وعلى هذا فبعض أهل العلم فسر ذلك بأنه قد لا يدخلها من أول وهلة.
فقوله: (لا يدخل الجنة قتات) ليس معناه: لا يدخلها أبداً، بمعنى أنه محروم من الجنة لا يدخلها بحال من الأحوال كما جاء في حق الكفار أنهم لا يدخلون الجنة أبداً، وأنهم مخلدون في النار، فليس معناه كذلك؛ لأن من مات على التوحيد ومن مات غير كافر وغير مشرك، فإن مآله إلى الجنة ولا بد، وإن بقي في النار ما بقي.
إذاً: يحمل قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة قتات) على أنه لا يدخلها من أول وهلة كما يدخلها الذين سلموا من مثل هذا العيب، أو ممن تجاوز الله عنهم ممن عندهم مثل هذا العيب، فإنهم يدخلون الجنة من أول وهلة من غير عذاب، ومن الناس من يشاء الله تعذيبه فيعذب، ولكنه إذا عذب لا يستمر في النار أبد الآباد ولا يدخل الجنة أبداً؛ بل يعذب ثم يدخل الجنة، وبهذا يكون التوفيق بين أحاديث الوعد والوعيد.