قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في نقل الحديث.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن عطاء عن عبد الملك بن جابر بن عتيك عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في نقل الحديث، أي: نقل الكلام الذي يسمعه من شخص إلى شخص، ومعنى ذلك: أن الكلام إذا كان سراً فإنه لا يفشى، وأما إذا كان غير سر وأنه مما يسمح في إفشائه أو أن المطلوب هو إفشاؤه فإن هذا لا يدخل في المحذور، وإنما الذي يمنع من إفشائه ونقله هو الذي يكون صاحبه يريد كتمانه وعدم إفشائه، هذا هو المقصود بنقل الحديث الذي ترجم له أبو داود.
وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة)، أي: إذا حدث رجل رجلاً بحديث، والمقصود بالحديث: خبر من الأخبار أو شيء من الأشياء التي هي سر أفشاه إليه، فإنه أمانة، وقوله: (ثم التفت)، أي: ذلك المتحدث، وهذه علامة تقوم مقام قوله: لا تفش هذا السر، أو اكتم هذا الكلام، فإن هذا فعل يقوم مقام القول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه أمانة، فكونه التفت معناه: أنه يخشى أن يسمعه أحد، أو أنه لا يريد أن يسمعه أحد غير الذي يحدثه، فهذه علامة على أنه لا يريد إفشاءه، وعلى هذا فما كان من هذا القبيل فإنه أمانة عند هذا الذي حدث بهذا الحديث؛ لأن كونه يفعل هذا الفعل دليل على رغبته في عدم إفشائه، ومعلوم أن الشيء الذي وصف بأنه أمانة معناه أنه يحافظ عليه، ولا يعديه الإنسان الذي حُدث به إلى غيره.
والمقصود بالحديث كما عرفنا: خبر من الأخبار أو شيء أفشاه إنسان لإنسان، وليس المقصود من ذلك شيء آخر مثل كونه يحدث بحديث أو يخبره بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس هو المقصود، وإنما المقصود حديث خاص، أو كلام خاص يجري بينه وبين من يحدثه، فإذا التفت فيكفي لأن يلتزم الذي حُدث بهذا الحديث أن يخفيه، وألا يفشيه، وإن لم يقل له: لا تفش هذا الخبر، أو اكتم هذا الخبر؛ لأن هذا فعل يقوم مقام القول، ويغني عن القول، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث أن ذلك من جملة الأمانات، وأنه مثل ما لو قال له: اكتم هذا الخبر.
ونقل كلام أهل العلم بعضهم في بعض للوقيعة بينهم هذا يعتبر من النميمة التي يكون فيها الإفساد بين الناس.