قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كفارة المجلس.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو أن سعيد بن أبي هلال حدثه أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه، ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم له بهن عليه كما يختم بالخاتم على الصحيفة: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)].
أورد أبو داود باب كفارة المجلس، أي: الكلمات أو الذكر الذي يقال عند انتهاء المجلس ليكون ختاماً له، ليكون ختامه مسكاً، ويكون ختامه على وجه مشروع فيه اتباع للسنة التي أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الإتيان بهذا الذكر عند انتهاء المجلس، فإذا حصل فيه شيء من اللغو أو شيء مما لا ينبغي فيكون ذلك كفارة لما حصل.
وأما إذا كان المجلس فيه كلام في أعراض الناس، فهذه حقوق للناس لا يكفي فيها أن يقول الإنسان هذا الذكر ويظن أن تلك الحقوق قد سقطت، وإنما هذا الذكر في الأمور التي يمكن أن تكون مكفرة لما يحصل من لغو في ذلك المجلس، وأما حقوق الناس فهذه بينه وبين الناس، فإذا طلب منهم المسامحة والعفو وعفوا عنه فإنه يكون بذلك قد سلم من التبعة؛ لكونهم سامحوه وأعفوه من ذلك الذي حصل، وإلا فإن مجرد القيام بكونه يأتي بهذا الذكر لا يسقط عنه حقوق الناس الذين ألحق بهم الأذى والذين نال منهم، بل هذا لا بد أن يكون بطلب المسامحة منهم.
وقد أورد أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه).
الأحاديث وردت في الإتيان بهذا الذكر مرة واحدة، وهذا الحديث جاء فيه أنه يقولها ثلاث مرات، لكن الأحاديث الكثيرة والروايات المتعددة جاءت بأن الذكر يقال مرة واحدة، وقد صح الحديث بدون ذكر الثلاث، ولم يأت ذكر العدد إلا في هذا الموضع.
وقوله: (أو لا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم له بهن عليه كما يختم بالخاتم على الصحيفة).
معنى ذلك: أن الصحيفة كلها خير، وأن المجلس معمور بالخير ثم جاءت هذه ختاماً له وصارت خيراً على خير، فإذا كان هناك مجلس حصل فيه لغو، وحصل فيه أمور لا تنبغي فإن هذا الذكر يكفرها، وإذا كان المجلس كله ذكر وخير، وليس فيه خطأ ولا سوء، فيكون هذا الذكر خيراً على خير، وتكون ختاماً لذلك الخير، وطابعاً على ذلك الخير.
وقوله: (سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك).
هذا ثناء على الله عز وجل وذكر له سبحانه وتعالى، ودعاء واستغفار؛ لأن الاستغفار دعاء، فجمع فيه بين الثناء عليه وتنزيهه سبحانه وتعالى، وبين توحيده والاعتراف بألوهيته، وبين الاستغفار الذي هو طلب المغفرة من الله عز وجل، فجمع بين هذه الأمور كلها في هذا الذكر المختصر الذي هو ذكر ودعاء.