قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب متى يأمر الغلام بالصلاة؟ حدثنا محمد بن عيسى -يعني: ابن الطباع - حدثنا إبراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب متى يأمر الصبي بالصلاة؟] والمقصود من ذلك الوقت الذي يؤمر فيه الصغير بالصلاة، ولا فرق بين الذكر والأنثى، فإن ذكر الصبي أو ذكر الغلام ليس معناه اختصاص الأمر بالذكور دون الإناث، وإنما المقصود من ذلك الأولاد، ولهذا جاء في رواية أو في طريق من الطرق: (مروا أولادكم بالصلاة) والأولاد لفظ يشمل الذكور والإناث.
والمقصود من قوله: [متى يأمر الغلام بالصلاة] يعني: حتى يتمرن وحتى يتعود وحتى يكون على علم بالصلاة وكيفيتها، وما هو مطلوب فيها وما مطلوب لها، وما يتعلق بشروطها وأركانها والأمور التي يكون بها أداؤها، حتى إذا جاء سن التكليف يكون على علم سابق بما هو مكلف به، لا أن يترك حتى يبلغ ثم يُعَلم ويمرن، وإنما يمرن قبل أن يبلغ، يمرن وهو صغير، لكن متى؟ هل يؤمر وهو صغير جداً أم أن هناك حداً جاء أمر الآباء والأمهات بأن يأمروا عنده أبناءهم أو أولادهم بالصلاة؟ وردت الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يؤمر وهو ابن سبع، فإذا بلغ سبعاً فإنه يأمره أبوه وأمه بالصلاة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها) يعني أنه يؤمر كلاماً وترهيباًً وحثاً إذا بلغ سبع سنين، والأمر بالصلاة يكون بتعليمه إياها وكيفيتها وكذلك ما يسبقها من وضوء وما إلى ذلك، وإذا بلغ عشر سنين وحصل منه تهاون فيها أو امتناع عن أدائها فإنه يضرب على ذلك ضرباً غير مبرح ينفعه ولا يضره، ينفعه في الزجر والتخويف والردع، ولا يضره بأن يلحق به ضرراً في جسمه أو في أعضائه، فيضرب ضرباً غير مبرح ينفع ولا يضر؛ لأنه لا يكلف إلا إذا بلغ، ولكن هذا من أجل التعويد والتمرين والترويض حتى يكون على علم سابق قبل أن يصل إلى البلوغ، حتى إذا بلغ يكون قد عرف ما يتعلق بالصلاة وما هو مطلوب منه، فهو أمر للتمرين وللتعويد وليس لأنه مكلف؛ لأن القلم رفع عن الصغير حتى يبلغ، كما جاء في الحديث: (رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ) يعني أن هؤلاء مرفوع عنهم القلم، وعلى هذا فأمر الصبي إنما هو من أجل تعويده لا من أجل أنه مكلف.
قال بعض أهل العلم: وكون الغلام يضرب على الصلاة وهو لم يبلغ يدل على أن العقوبة إذا حصل البلوغ أشد.
قالوا: وليس هناك أشد من الضرب إلا القتل.
أي: أن القتل هو الذي يأتي وراء الضرب.
وقد اختلف العلماء في حكم تارك الصلاة هل يقتل حداً أو يقتل ردةً أو أنه لا يقتل ولكنه يسجن، على أقوال في ذلك، ولكن أرجحها أن من ترك الصلاة متعمداً فإنه يكون كافراً، وقد جاءت في ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تدل على ذلك، ومنها قوله: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقوله: (بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة) وكذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج على الأئمة أنه لا يخرج عليهم إلا إذا وجد كفر بواح عند الناس فيه من الله برهان، وجاء أنهم لا ينابذوا ما صلوا، أي أنه إذا كانوا يصلون لا يخرج عليهم؛ لأنهم مسلمون، وإذا لم يصلوا فإنه يخرج عليهم، فكل هذه الأحاديث تدل على كفر تارك الصلاة.
والحاصل أن ما جاء في الحديث من ذكر الضرب لمن بلغ العشر وهو غير مكلف يدل على أنه إذا كلف تكون العقوبة أشد.