قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف حدثنا عبد الله بن حمران أخبرنا عوف بن أبي جميلة عن زياد بن مخراق عن أبي كنانة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)].
أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم)، يعني: أنه إذا كان كبيراً يكرم ويحترم ويوقر لكبره، وقوله: (ذي الشيبة المسلم) أي: الذي قد شاب وصار من الكبار الذين تقدمت بهم السن، فإنه يكرم لسنه ولشيبته، (وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه)، الغالي فيه: هو المتجاوز للحد، ويكون ذلك بالتكلف والتنطع، أن يتكلف في قراءته أو يتكلف في معانيه، وكذلك الجافي عنه الذي يهمله ويهجره ولا يبالي، فالغالي والجافي ضدان، الغالي في جانب الإفراط والجافي في جانب التفريط، فهذا مفرِط وهذا مفرَّط، فالغالي مفرط؛ لأنه متجاوز للحد، والجافي مفرَّط؛ لأنه متساهل ومتهاون وغافل وغير مقبل عليه، وغير مشتغل بقراءته.
وقوله: (وإكرام ذي السلطان المقسط) المقسط هو العادل؛ لأن الإقساط هو العدل، وأما القسط فهو الجور، وهما ضدان متقابلان: القاسط والمقسط، فالقاسط مذموم، والمقسط محمود، قال الله عز وجل: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن:15] فالقاسطون هم الجائرون الظالمون، ويقابلهم المقسطون وهم العادلون.