قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني إبراهيم بن المهاجر عن مجاهد عن قائد السائب عن السائب رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يثنون علي ويذكروني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أعلمكم -يعني: به- قلت: صدقت بأبي أنت وأمي كنت شريكي فنعم الشريك، كنت لا تداري ولا تماري)].
أورد أبو داود حديث السائب بن أبي السائب المخزومي، وكان شريكاً للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وأنه جاء إليه وقد أسلم، فجعلوا يثنون على السائب، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلمكم به)؛ لأنه كان شريكه، فقال السائب: (صدقت بأبي أنت وأمي، كنت شريكي فنعم الشريك، كنت لا تماري ولا تداري)، وهذا وصف للرسول صلى الله عليه وسلم في معاملته إياه، فإنه كان شريكه قبل البعثة، فوصفه السائب بهذا الوصف: أنه نعم الشريك، وكان لا يماري، أي: لا يخاصم وينازع ويجادل، ولا يداري، أي: لا يخالف ولا يمانع، فهو سائغ، وأخلاقه حسنة، وليس من النوع الذي يخالف ويمانع مع شريكه، وإنما كان سهلاً وصاحب خلق كريم، وهذا يدل على حسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها، فكان قبل أن يبعثه الله عز وجل على الأخلاق الكريمة وعلى الصفات الحميدة، وهذا من فضل الله عز وجل، إذ جعل نبيه صلى الله عليه وسلم على هذه الصفة التي كانوا يعرفونه بها قبل أن يبعثه الله عز وجل، وما حصل منهم بعد بعثته من العداء له-أي: من الكفار- إنما كان حسداً، وإنما كان اتباعاً لما كان عليه الآباء والأجداد، وإلا فإنه ما كان معروفاً عندهم إلا بالصدق والأمانة، وبالصفات الحميدة، والأخلاق الكريمة، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقوله: [عن السائب قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجعلوا يثنون علي).
جاء في بعض الروايات أنه جاء عام الفتح، فجعلوا يثنون على السائب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلمكم به) أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شريكاً له قبل البعثة، فقال السائب: (نعم بأبي أنت وأمي)، وهذا ليس قسماً، وإنما هو فداء، أي: أنت مفدي بأبي وأمي، أو أفديك بأبي وأمي، وهذه كلمة تقال كثيراً يقولها الصحابة وغير الصحابة، فإنهم كانوا يقولون في حق النبي صلى الله عليه وسلم: فداه أبي وأمي، أو بأبي هو وأمي، أي: هو مفدي، وهذه كلمة تقال في تعظيمه صلى الله عليه وسلم، واحترامه وتوقيره، فهو مفدي بالآباء والأمهات؛ لأن فضله أعظم من فضل الآباء والأمهات على الناس، وذلك أن الله عز وجل ساق على يديه أعظم نعمة، وأجل نعمة، وهي نعمة الإسلام، ومعلوم أن نعمة الإسلام هي أجل النعم، وأعظمها، والأبوان لهما حقوق على الولد، وقد قاما بتنشئته وتربيته، وتعبا عليه حتى بلغ مبلغ الرجال، ولكن ما قام به الأبوان ليس شيئاً بالنسبة إلى ما حل بالمسلم بسبب النبي صلى الله عليه وسلم من الهداية التي ساقها الله للمسلمين على يديه؛ ولهذا جاء في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
ثم إن السائب ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي عرفها عنه بسبب المخالطة والمشاركة؛ لأنه كان شريكه فقال له: (إنك نعم الشريك، كنت لا تماري ولا تداري).