قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين.
وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلوا فيها؛ فإنها بركة).
أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة، وهي: باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل، والمقصود من هذه الترجمة هو بيان أن الأماكن التي تبرك فيها الإبل وتكون مقراً لها وتعطن فيها لا يصلى فيها، وليس ذلك لنجاسة أبوالها وأرواثها، فإنها طاهرة، وبول وروث كل ما يأكل لحمه طاهر، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم أرشد العرنيين إلى أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، وكذلك أدخل البعير في المسجد ليطوف عليه، وفي هذا دلالة على أن بوله وروثه ليس بنجس، ولكن المنع من ذلك والنهي عن ذلك إنما هو لما في الإبل من الشدة ولما فيها من الغلظة وأنها لو حصل منها شرود أو نفور فإنها تلحق الضرر بمن يصلي حولها، أو -على الأقل- تشوش عليه في صلاته، فيكون مشغولاً بما يحصل من نفورها أو شرودها، فيتشوش فكره وذهنه فينشغل عن صلاته، بخلاف الغنم فإنها ليست كذلك لهدوئها وسكينتها، ولو حصل منها نفور أو شرود فإنه لا يحصل الضرر لمن يصلي حولها، وإنما الضرر يكون من الإبل، ولهذا فإن أصحاب الإبل تغلب عليهم الشدة والغلظة، وتكون طباع الإبل وغلظتها وشدتها مؤثرة فيهم، بخلاف أصحاب الغنم، فإنه يكون عندهم السكينة والهدوء؛ لأن شأن الغنم كذلك.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: (لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين).
وقوله: [(فإنها من الشياطين)] المقصود من ذلك ما في الإبل من الشدة والغلظة ونفرة الطباع، وهذه الشدة والغلظة صفات من صفات الشياطين، وليس معنى ذلك أن مادتها كمادة الشياطين؛ لأن الشياطين خلقت من نار والإنس أصل مادتهم من تراب.
فإذاً: ليس كونها من الشياطين بمعنى أنها خلقت من مادة الشياطين، وإنما المقصود من ذلك أنها من جملة الشياطين أو من جنس الشياطين المتمردة، والمتمرد من الإنس والجن يقال له: شيطان، فالإنس فيهم شياطين والجن فيهم شياطين، وهم المتمردون الذين عندهم الخبث وعندهم السوء وعندهم الشدة وعندهم الغلظة وعندهم الأذى.
فإذاً: هذا هو المقصود بكونها من الشياطين، ولهذا فإنه إذا حصل منها شيء والناس حولها يصلون في معاطنها وفي مباركها فإنه يحصل لهم بسببها ما يحصل من الضرر، وكذلك لو كانت ليست في مباركها ومعاطنها فيمكن أن تأتي والناس يصلون في معاطنها ومباركها فيحصل التأثير، وعلى هذا فإن المنع من الصلاة في مبارك الإبل ليس لنجاسة أبوالها وأرواثها، فإنها طاهرة، ولكن لما جاء فيها من وصف الشدة وأنها من الشياطين، أي: فيحصل منها الأذى ويحصل منها الضرر لمن يصلي في مباركها ومعاطنها، سواء أكانت موجودة فيها أم كانت في طريقها إليها أم كانت حولها، فإنه إذا صلى فيها أحد قد تأتي إلى مباركها فيحصل لمن يصلي حولها التشويش على الأقل في صلاته إن لم يحصل له شيء من الضرر بكونها تخبطه أو يحصل له ضرر بفعلها.
وقوله: [(وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلوا فيها فإنها بركة)] يعني أنها فيها الهدوء وفيها السكينة، ولا يحصل ضرر على من يصلي في أماكنها؛ لأنها ولو حصل منها نفور فلن يحصل منها أنها تؤذي صاحبها أو من يكون حولها، بخلاف الإبل، فإنها تقتله وتهلكه وتقضي عليه.
والغنم وردت فيها بعض الأحاديث، ومنها الحديث الذي فيه ذكر العزلة، وأنه سيأتي زمان يكون فيه خير مال المرء غنيمة يتتبع بها شعف الجبال يفر من الفتن، ولكن المقصود هنا أن الغنم فيها هدوء وفيها سكينة وصاحبها يكون فيه تواضع، والإبل فيها شدة وأصحابها فيهم شدة، ولهذا جاءت الأحاديث في أصحاب الإبل تصفهم بالغلظة والشدة وتصف أصحاب الغنم بالهدوء والسكينة.