قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر قال: حدثنا أبو كعب أيوب بن محمد السعدي قال: حدثني سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)].
أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله تعالى عنه، وفيه بيان فضيلة حسن الخلق، وأن تحسين الإنسان لخلقه يوصله إلى الدرجات العالية في الجنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أصناف من الناس: فمنهم من يكون في ربض في الجنة وفي أدناها، ومنهم من يكون في وسطها، ومنهم من يكون في أعلاها، ومعلوم أنه كما أن النار دركات بعضها تحت بعض، فالجنة درجات بعضها فوق بعض، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الذي يحسن خلقه يكون له بيت، والبيت هنا هو القصر في الجنة، وقوله: (أنا زعيم) يعني: أنا ضامن وكفيل وملتزم بأن من فعل كذا فله كذا، وهو نظير قول الله عز وجل: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72] يعني: أنا ملتزم بحمل البعير لمن أتى بصواع الملك، ((وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ)) يعني: بهذا الذي وعدت به، وهذا الجعل الذي جُعل فأنا ملتزم به، والمعنى هنا: أنا كفيل وضامن لمن فعل هذا الفعل أن يكون له بيت في الجنة.
قوله: [(أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً)] يعني: المجادلة التي تؤدي إلى الخصومة والشقاق والوحشة، فالإنسان يبتعد عنها حتى تسلم القلوب، وحتى تصفى النفوس.
قوله: [(وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً)].
فعلى الإنسان أن يعود نفسه على الصدق والبعد عن الكذب، فمن ترك الكذب ولو كان عن طريق المزح فإنه موعود بهذا الوعد الكريم وهو بيت في وسط الجنة.
قوله: [(وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)].
وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث، وفيه بيان منزلة حسن الخلق، وهذه المنزلة العالية، ويدل على فضله وعلى أهميته.