قال رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد.
حدثنا عيسى بن حماد حدثنا الليث عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول: (دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال: أيكم محمد؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا له: هذا الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبدالمطلب! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، فقال له الرجل: يا محمد! إني سائلك) وساق الحديث].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب ما جاء في دخول المشرك المسجد يعني: أن ذلك سائغ للحاجة، فيجوز أن يدخل الكافر المسجد للحاجة، وذلك أن الكافر ليست نجاسته نجاسة ذاتية، بمعنى أنه إذا دخل تحصل النجاسة في المسجد؛ لأن نجاسة الكافر حكمية، وهي نجاسة الكفر وخبث النحلة والعقيدة، وكونه يشرك بالله عز وجل ويعبد مع الله غيره ولا يؤمن بالله سبحانه وتعالى، وإنما يعبد مع الله غيره ويشرك بالله غيره، فهذه هي النجاسة التي في الكفار، وقد قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] والمقصود بالنجاسة هنا هي: النجاسة الحكمية، وهي نجاسة الكفر وليست نجاسة الذات، فليست ذواتهم نجسة بمعنى أنه إذا مس أحدهم شيئاً فإنه يكون نجساً، فدخوله المسجد سائغ وجائز، وقد جاءت في ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر أبو داود جملة منها، وهناك أحاديث في غير أبي داود، منها: قصة الرجل الذي ربطه النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم بعد ذلك فتح الله عليه ومنَّ الله عليه بالإسلام، فأطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم، وذهب واغتسل وجاء، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فكان قد ربطه في المسجد في سارية.
أورد أبو داود رحمه الله جملة من الأحاديث، أولها حديث أنس بن مالك رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع أصحابه في المسجد بين ظهرانيهم وهم محيطون به أو حوله، فجاء رجل مشرك على راحلته، فأناخها في المسجد وعقلها، وجاء في الحديث الآخر الذي بعد هذا أنه أناخها على باب المسجد وعقلها، ودخول الدابة إلى المسجد للحاجة لا بأس به، مثلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وطاف بالبيت وهو راكب على بعير، ويمس صلى الله عليه وسلم الحجر بمحجن، أيضاً الإبل وغيرها مما يؤكل لحمه أرواثها وأبوالها لو وقعت فإنها طاهرة ليست نجسة، فالدخول للحاجة جائز، لكن هذا أدخل الراحلة إلى المسجد لغير حاجة، ولكن في الرواية الثانية أنه أناخها بالباب، ويحتمل أن تكون القصة واحدة، أو أن المقصود بالمسجد قرب المسجد أو في باب المسجد، فأطلق عليه أنه في المسجد.
وفي الحديث: (أنه دخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، وهذا هو محل الشاهد، يعني: كون الكافر يدخل المسجد، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه، فقال: (أيكم محمد؟ فقالوا: هو هذا المتكئ الأبيض)، وكان عليه الصلاة والسلام لتواضعه لا يعرف، فإذا كان بين أصحابه الذي لا يعرفه لا يميزه، فأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فخاطبه وقال: (يا محمد! فقال: قد أجبتك) يعني: قل ما تريد، فسأله وساق الحديث، يعني: أن أبا داود اختصر الحديث وأتى بأوله الذي يدل على محل الشاهد للترجمة، ثم أشار إلى أن الراوي ساق الحديث إلى آخره وسأله الأسئلة التي سأله إياها، ولكن المقصود من الحديث هو دخول المشرك المسجد، فإن هذا رجل كافر دخل المسجد، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه، والمتكي هو الذي يكون جالساً ومتمكناً في الجلوس، والمتربع يقال له: متكئ، وأيضاً يقال لمن كان معتمداً على أحد شقيه: متكئ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الثاني في حديث: (ألا أخبركم بأكبر الكبائر وكان متكئاً فجلس) يعني: أنه كان متمايلاً على شيء وبعدها جلس، أراد أن يبين لهم هذا الأمر الخطير وهذا الأمر العظيم وهذا الأمر الفظيع الذي هو قول الزور وشهادة الزور، قال: (فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)، فالمتكئ يطلق على الذي يجلس متربعاً أو متمكناً على وطاء أو على فراش، ويطلق على من كان متكئاً على أحد شقيه، فسواء كان الإنسان متكئاً على شيء أو متكئاً على ذراعه أو على مرفقه فإن هذا يقال له: اتكاء، يعني.
معتمد على أحد جنبيه.
والحاصل: أن الحديث دال على دخول المشرك أو الكافر إلى المسجد، وقد ذكرنا أن ذلك لا مانع منه، وأن نجاسة الكفار ليست عينية، وإنما هي حكمية.
قوله: (فقال له الرجل: يا ابن عبدالمطلب!).
يعني: أنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (قد أجبتك) يعني: هات ما عندك.