قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن الفضل السجستاني وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان بهذا الحديث وهذا لفظ يحيى بن الفضل السجستاني قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: أتينا جابراً -يعني ابن عبد الله - وهو في مسجده، فقال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون ابن طاب فنظر فرأى نخامةً، فأقبل عليها فحتها بالعرجون، ثم قال: أيّكم يحب أن يعرض الله عنه بوجهه؟ ثم قال: إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبزق عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة، فليقل بثوبه هكذا، ووضعه على فيه ثم دلكه، ثم قال: أروني عبيراً، فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله فجاء بخلوق في راحته، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله على رأس العرجون ثم لطخ به على أثر النخامة، قال: جابر فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في مسجدهم، وكان بيده عرجون من نخل ابن طاب، وهو نوع من النخل يعرف بابن طاب، وكان عندهم عدة أسماء لأنواع من التمر ومنها ابن طاب، والعرجون هو من هذا النوع من النخيل، والذي يفهم منه أنه كان يحك به النخامة من الجدار، وهذا معناه: أنه شيء صلب، وقد يكون رطباً ولكنه كان قوياً وقاسياً، المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حكه بهذا العرجون أو برأس هذا العرجون، وتكلم في الناس، وقال: (أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟! ثم قال: إذا قام أحدكم يصلي فلا يبصقن قبل وجهه؛ فإن الله قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبزق عن يساره تحت رجله) ثم إنه دعا بعبير، يعني: نوع من الطيب، فذهب غلام يجري ويركض فجاء بخلوق في راحته، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذه وجعله على رأس العرجون وجعل يلطخ به المكان أو الأثر الذي بقي بعد حك تلك النخامة التي في قبلة المسجد، قال: جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (فمن هذا جعلتم الخلوق، في مساجدكم) يعني: كونها تطيب ويجعل فيها الطيب هذا مستنده ووجهه هو كون النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالطيب وطيب هذا المكان.
قوله: [(أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا وفي يده عرجون ابن طاب)].
يعني: وفي يده هذا العود الذي يكون في أعلاه الشماريخ، ويقال له: القنو، والعرجون هو الذي يصل بين الشماريخ وبين أصل النخلة، وابن طاب نوع من النخل.
قوله: [(فنظر فرأى نخامة فأقبل عليها فحتها بالعرجون)].
يعني: رأى نخامة في الجدار فحتها بالعرجون، وهذا يدل على طهارة البصاق؛ لأنه حين يحته يقع على الأرض، ولو كان ذلك نجساً ما كان يفعل ذلك، بل كان سيخرج النجاسة ويغسل أثرها، أو يأتي بشيء يغطي النجاسة ويغلبها.
قوله: [(ثم قال أيكم يحب أن يعرض الله عنه بوجهه، ثم قال: إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه)].
ذكرنا في الدرس الماضي أن المقصود من ذلك أن الله عز وجل محيط بكل شيء وفوقه، وأن الإنسان أينما اتجه فالله تعالى أمامه؛ لقول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]، ويوضح ذلك الأثر الذي جاء عن ابن عباس: (إن السماوات والأرضين في كف الرحمن كالخردلة في كف أحدكم) ولله المثل الأعلى، فالذي يكون في داخل الخردلة فأينما اتجه الذي هو قابض لها وممسك بها فهو أمامه.
قوله: [(فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه)].
مر في بعض الأحاديث السابقة: (فإن هناك ملكاً)، وأيضاً اليمين معلوم أنها تكرم عن الأشياء المستقذرة بخلاف الشمال.
والإنسان معه كاتب للحسنات وكاتب للسيئات، فمن أهل العلم من قال: كاتب الحسنات هو الذي يكون موجوداً في الصلاة؛ لأن الصلاة هي عبادة وقربة وحسنات، لكن هذا غير واضح؛ لأنه يمكن أن يكون هناك تقصير، ويمكن أن يكون هناك إساءة في الصلاة فيكتبها كاتب السيئات.
لكن الله تعالى أعلم بالحقيقة، وقال بعض أهل العلم: يمكن أن يكون الملك ليس موجوداً في جهة التفل، وإنما يكون متنحياً، فالله أعلم، ولكن هكذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(وليبزق عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا).
وهذا كما هو معلوم إذا كانت الأرض ترابية، وكان يتوارى فيها البصاق والنخام، ولكن استعمال ذلك في المناديل وفي أطراف الثياب وما إلى ذلك هو المناسب، لا سيما في الأماكن التي فيها فرش، فإن البصاق عليها يقذرها ولو دلك؛ لأنه يبقى أثره، بخلاف التراب فإن البصاق يتوارى ويذهب في التراب ويضمحل.
قوله: [(ووضعه على فيه ثم دلكه)].
يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (هكذا) أخذ طرف ثوبه ووضعه على فيه، يعني: كأنه وضع فيه شيئاً ثم دلكه، وذلك بأن رد بعضه على بعض، وفعل هذا ليصف لهم بالفعل الطريقة التي يعملونها في وضع النخامة في الثياب.
قوله: [(ثم قال: أروني عبيراً)].
يعني: أعطوني عبيراً، فذهب غلام يشتد ويجري؛ ليأتي بالعبير، فجاء بخلوق في راحته، والخلوق طيب فيه حمرة وصفرة، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم على رأس العرجون، وجعل يحركه على المكان الذي حتت منه النخامة.
قوله: [(فأخذه، فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله، فجاء بخلوط في راحته، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله على رأس العرجون، ثم لطخ به على أثر النخامة، قال: جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم)].
يعني: أن هذا هو الدليل على تطييب المساجد، وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم طلب العبير، أو طلب الطيب، فجيء بالخلوق، فوضعه في المكان الذي حصل فيه الأذى الذي هو النخامة.