قوله: [قال سلمة بن كهيل: فنزلني زيد بن وهب منزلاً منزلاً].
يعني: بعدما ذكر كلام علي رضي الله عنه وخطبته وما حصل منه، قص عليه القصة من حين خرجوا إلى أن وصلوا إلى الخوارج وقاتلوهم.
قوله: [حتى مر بنا على قنطرة].
يعني: وهم في طريقهم إلى الخوارج.
قوله: [قال: فلما التقينا، وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي].
يعني: فلما التقى علي رضي الله عنه بجيشه مع الخوارج، وكان أميرهم عبد الله بن وهب الراسبي.
قوله: [قال لهم: ألقوا الرماح، وسلوا السيوف من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء، قال: فوحشوا رماحهم].
هذه وصية من رئيس الخوارج لأصحابه بأن يلقوا الرماح -أي: يرموها- ويسلوا السيوف لقتال المسلمين؛ لأنه يخاف أن يكون هناك تفاهم من غير قتال كما وقع يوم حروراء، فهو يريد من أصحابه أن يسلوا السيوف حتى تكون في متناول أيديهم ولا يشتغلوا بالرماح، وإنما يمشون بالسيوف حتى يصلوا إلى المسلمين.
فألقوا رماحهم، وسلوا سيوفهم أخذاً بوصيته، فرماهم أصحاب علي رضي الله عنهم وأرضاهم بالرماح قبل أن يصلوا إليهم، ثم التحموا معهم وقتلوا منهم المقتلة العظيمة، ولم يصب من المسلمين إلا اثنان كما ذكر في هذا الحديث.
ومعنى: (وحشوا برماحهم) أي: أنهم تركوها وأخذوا السيوف، فاستعمل المسلمون الرماح، فأصابوهم قبل أن يصلوا إليهم، ولما وصلوا إليهم التحموا معهم واستأصلوهم، ولذلك قال: (وشجرهم الناس برماحهم).
أي: أصابهم الناس برماحهم.
قوله: [وقتلوا بعضهم على بعضهم].
أي: حتى ركب بعضهم فوق بعض لكثرة القتلى، فصاروا أكواماً.
قوله: [قال: وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان].
أي: من أصحاب علي رضي الله عنه.
قوله: [فقال علي رضي الله عنه: التمسوا فيهم المخدج].
أي: لما انتهى الأمر ووضعت الحرب أوزارها، وانتصر علي رضي الله عنه ومن معه عليهم، أمر بأن يبحث عن هذا المخدج الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب العضد الذي ليس له ذراع، وفيه تلك اللحمة التي في طرفها حلمة كلحمة ثدي المرأة، وعليها شعيرات بيض.
فالتمسوه فلم يجدوه، فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناساً قد قتل بعضهم على بعض فقال: أخرجوهم.
فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر، وقال: صدق الله وبلغ رسوله.
قوله: [فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين! والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو! حتى استحلفه ثلاثاً، وهو يحلف].
وعبيدة السلماني من أصحابه، وهو من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم فاستحلف علياً قال: والله الذي لا إله إلا هو إنك سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حتى كرر ذلك ثلاثاً، يريد من ذلك أن يسمع الناس بهذا الخبر، وأن عملهم هذا على صواب، وأنهم الجيش الذين ورد الوعد له بالأجر العظيم من الله، وأن هذا الشخص الذي رأوه بالكيفية التي وصفها علي قبل أن يروه، قد وجد طبقاً لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالمقصود من استحلاف عبيدة علياً وتكرار ذلك ثلاثاً أن يسمع الناس، وحتى يتحقق الأمر لكثير من الناس بهذا التكرار.