انتهار الكافر في القبر وتعذيبه

قوله: [(وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره، فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت)].

وهذا دعاء عليه بصيغة الخبر، أو هو إخبار عما حصل، ومعنى ذلك أنك لا دريت، ولا تبعت غيرك ممن سلكوا طريق السعادة إذا لم تدر.

ومعلوم أنه لا يعذب أحد إلا بعد إقامة الحجة عليه، وهذا الجواب لا يعني أنه ما عرف الحق أو ما بلغه الحق، لأنه لا يعذب إلا عند بلوغ الحق، كما قال الله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]، وهذا قد بلغته الرسالة، ولكنه اختار طريق الضلالة والكفر واستمر على ذلك حتى مات، فيقال: (لا دريت) أي ما حصل منك الدراية التي تنفعك والتي تفيدك، ولا تليت غيرك في الخير، بل تبعت غيرك في الشر.

قوله: [(فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس)].

أي: ويسأل عن الرجل -وهو محمد صلى الله عليه وسلم- وماذا كان يقول فيه؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس.

والمقصود بالناس هنا هم الذين ما وفقوا، وإلا فإن الذين وفقوا يشهدون بأنه رسول الله ويؤمنون به ويصدقونه ويتبعونه، ولكنه يقول ما يقول الناس الذين خذلوا كما خذل وتبعهم في الضلالة، أو تبع أبويه إذا كانا سبباً في غوايته وإضلاله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه).

قوله: (فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه).

يعني يضربه بمطرقة من حديد على رأسه، (فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين) يعني: إلا الجن والإنس الذين هم مكلفون؛ لأنهم لو علموا ما يجري في القبور لتغير حالهم، وهذا شيء مشاهد في الدنيا، فإن الناس إذا كان عندهم مريض يتألم ويئن فإنهم لا يهدءون ولا يرتاحون ولا يستسيغون أكل الطعام، وهم يحسون بالتألم الذي يحصل لذلك الإنسان بسبب شدة المرض الذي أصابه، فكيف بحصول عذاب في القبر.

وقد شاء الله عز وجل أن ينقسم الجن والإنس إلى فريق في الجنة وفريق في السعير، وشاء أن تكون أمور الآخرة غيباً، وأن يكون ما يجري في القبر غيباً، وألا يكون علانية؛ ليتميز من يؤمن بالغيب ممن لا يؤمن به.

وغير الثقلين كالملائكة وكالحيوانات والبهائم يسمعون ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم سمع ذلك، ولهذا جاء في أول الحديث أنه سمع العذاب ففزع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015