الرد على المالكي الطاعن في الصحابة

وقد رددت عليه في كتاب بعنوان ((الانتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي))، ومما جاء في الكتاب مما يتعلق بالذود عن الحوض ما يلي: السابع -أي من وجوه الرد في إنكاره عدالة الصحابة- قوله: ومن الأحاديث في الذم العام قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث الحوض في ذهاب أفواج من أصحابه إلى النار، فيقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أصحابي أصحابي؟ فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك)، الحديث متفق عليه، وفي بعض ألفاظه في البخاري: (فلا أرى ينجو منكم إلا مثل همل النعم)، فيأتي المعارض بالثناء العام بعد هذا الذم العام، فكيف تجعلون للصحابة ميزة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا ينجو منهم إلا القليل، وأن البقية يؤخذون إلى النار؟ وقال عن هذا الحديث أيضاً كما أخبر النبي صلى الله وآله وسلم: أنه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلا القليل مثل همل النعم، كما ثبت في صحيح البخاري كتاب الرقاق؟ ويجاب عنه: بأن لفظ الحديث في صحيح البخاري في كتاب الرقاق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (بينا أنا نائم فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم! فقلت: أين؟ قال: إلى النار إلى النار، والله قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى.

ثم إلى زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم! قلت: أين؟ قال: إلى النار، والله قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى.

فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم).

قال الحافظ في شرحه: قوله: (بينا أنا نائم) كذا بالنون للأكثر وللكشمهيني: (قائم) بالقاف، وهو أوجه، والمراد به قيامه على الحوض يوم القيامة، وتوجه الأولى بأنه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة.

وقال أيضاً: قوله: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) يعني: من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه.

وقال أيضاً: والمعنى: أنه لا يرده منهم إلا القليل، لأن الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره.

واللفظ الذي ورد في الحديث: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) أي: من الزمرتين المذكورتين في الحديث، وهو لا يدل على أن الذين عرضوا عليه هاتان الزمرتان فقط، والمالكي أورد لفظ الحديث على لفظ خاطئ لم يرد في الحديث، وبناءً عليه حكم على الصحابة حكماً عاماً خاطئاً فقال فيه: وفي بعض ألفاظه في البخاري: (فلا أرى ينجوا منكم إلا مثل همل النعم) فجاء بلفظ: (منكم) على الخطاب بدل: (منهم) وبناء عليه قال: كيف تجعلون للصحابة ميزة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه لا ينجو منهم إلا القليل، وأن البقية يؤخذون إلى النار؟ وقال: كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلا القليل مثل همل النعم، كما ثبت في صحيح البخاري كتاب الرقاق.

وهذا كذب على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنه لم يخبر أن أصحابه لن ينجو منهم إلا القليل، ولعل هذا الذي وقع من المالكي حصل خطأً لا عمداً.

وأما ما جاء في بعض الأحاديث من: (أنه يذاد عن حوضه أناس من أصحابه وأنه يقول: أصحابي؟ -وفي بعض الألفاظ: أصيحابي_ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فهو محمول على القلة التي ارتدت منهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقتلوا في ردتهم على أيدي الجيوش المظفرة التي بعثها أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

وإذا كان مصير أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النار، وأنه لا ينجو منهم إلا القليل مثل همل النعم بزعم هذا الزاعم، فليت شعري ما هو المصير الذي يفكر به المالكي لنفسه؟! نسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ بالله من الخذلان! بل إن الصحبة الشرعية بزعم المالكي لم تحصل إلا للمهاجرين والأنصار قبل صلح الحديبية، ومن بعدهم ليسوا من الصحابة بزعمه، وعلى هذا فإنه لا ينجو من الصحابة إلا القليل مثل همل النعم، والبقية يؤخذون إلى النار، فهذا يعم الصحابة الذين كانوا قبل الحديبية، فإذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذين هم خير هذه الأمة لا يسلمون من النار، فمن الذي يسلم منها؟! بل إن اليهود والنصارى لم يقولوا في أصحاب موسى وعيسى مثل هذه المقالة القبيحة.

وقد ذكر شارح الطحاوية أن اليهود والنصارى فضلوا على الرافضة بخصلة وهي: أنه إذا قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملتهم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد.

وهذا يبين لنا منتهى السوء الذي وقع فيه المالكي، وأن من يسمع أو يطلع على كلامه في الصحابة يتهمه في عقله، أو يستدل به على منتهى خبثه وحقده على خير هذه الأمة، لاسيما أن زعمه أن العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله رضي الله عنهما ليسا من الصحابة، وزعمه أن أكثر الصحابة إلا قليل منهم مثل همل النعم يؤخذون إلى النار.

وأيضاً: إذا كان أكثر الصحابة إلا قليل منهم يؤخذون إلى النار في زعم هذا الزاعم والكتاب والسنة لم يصلا إلى هذه الأمة إلا عن طريق الصحابة، فهم الواسطة بين الناس وبين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ فأي حق وهدى يكون بأيدي المسلمين؟! فإن القدح في الناقل قدح في المنقول.

قال أبو زرعة الرازي المتوفي (سنة 264هـ) رحمه الله: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة.

(الكفاية) للخطيب البغدادي.

وسأكشف أباطيله الأخرى التي اشتمل عليها كتابه ((قراءة في كتب العقائد)) وأدحضها إن شاء الله تعالى في كتابي: ((الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي)).

انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015