قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحوض.
حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح)].
الحوض هو حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرده الناس يوم القيامة وهم عطاش، فيشرب منه من يشرب، ومن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ومنهم من يذاد عنه ويمنع مع شدة حاجته إليه، وتكون ذنوبه ومعاصيه هي التي حالت بينه وبين ذلك.
وقد اختلف فيه هل يكون قبل الصراط أو بعد الصراط؟ فجاء عن بعض أهل العلم أنه يكون بعد الصراط، والكثيرون قالوا: إنه قبل الصراط، وهو الأقرب؛ لأن الذين يذادون عنه لو كان بعد الصراط فإنهم لا يتجاوزون إليه حتى يذاودون عنه بل يقعون في النار، وعلى هذا فالذود إنما يناسب أن يكون قبل الصراط، والله أعلم.
وأورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح).
وهذا فيه إثبات الحوض للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أمام الناس، وأنه واسع.
وجرباء وأذرح هي من بلاد الشام، وهي متقاربة، وجاء في بعض الروايات أنه قال: (ما بين المدينة وجرباء وأذرح)، فتكون المسافة على هذا كما بين المدينة إلى جرباء وأذرح فتكون بعيدة، وعلى ما جاء في هذه الرواية هي كما بين جرباء وأذرح، فتكون غير بعيدة.
وقد جاءت التقادير عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ متعددة، منها ما هو واسع جداً، ومنها دون ذلك، وجاء في الأحاديث الصحيحة أيضاً أن طوله وعرضه سواء، وأن زواياه سواء، وعلى هذا فيكون مربعاً.
ولكن كل الأحاديث تدل على أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضاً، وأنه يورد عليه الحوض، وأنه يذاد عنه أناس فلا يشربون، وأناس يشربون ولا يظمئون بعد ذلك أبداً.
وأحاديث الحوض متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ابن القيم في (تهذيب السنن) أنها جاءت عن أربعين صحابياً وسماهم، وذكر الحافظ ابن حجر في (الفتح) أنهم يبلغون الخمسين أو يزيدون عن الخمسين صحابياً.