قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود حدثنا حماد حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوماً إذ رأى نخامة في قبلة المسجد، فتغيظ على الناس، ثم حكّها، قال: وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به، وقال: إن الله تعالى قِبَلَ وجه أحدكم إذا صلى، فلا يبزق بين يديه)].
قوله: (إذا رأى نخامة في قبلة المسجد) أي: في الجدار الأمامي الذي أمام الناس.
قوله: [(وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به)] لأن الزعفران فيه رائحة طيبة، فأراد أن يجعل مكان ذلك الأثر المستقذر زعفراناً له رائحة طيبة.
قوله: [(فتغيظ على الناس)].
أي: حصل منه غضب، وظهر عليه التأثر لهذا الفعل الذي حصل، فحرمة المساجد عظيمة، فكيف يحصل لها مثل ذلك؟! فيجب أن تُصان وأن تُنّزه وأن تُنظّف، وألا يُفعل فيها شيء مما لا ينبغي، سواء كان ذلك يلصق في الجدار أو في الأرض، أو كان شيئاً منفصلاً كالقذارة التي سبق أن مر ذكرها في بعض الأحاديث.
قوله: [(ثم حكّها)] أي: باشر ذلك بنفسه صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وقال: إن الله تعالى قبل وجه أحدكم)].
أي: أن الله تعالى قِبَلَ وجهه، والمقصود أمامه.
وهذا مثل الآية الكريمة: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]، قال بعض أهل العلم: إن هذه الآية من آيات الصفات، والمقصود بالوجه هو وجه الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته، وبعض أهل العلم قال: إن المقصود بالوجه هنا الوجهة، وهي القبلة.
ولكن كون المقصود بها آية من آيات الصفات هو الأوضح؛ لأنه قال: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] أي: أن الإنسان أينما اتجه فالله تعالى أمامه.
والمقصود من ذلك أن الله عز وجل فوق كل شيء ومحيط به، والمخلوقات في قبضة الله عز وجل، كما قال ابن عباس: (كالخردلة في كف أحدنا) ومن المعلوم أن ما داخل الخردلة المقبوض عليها بالكف أينما اتجه فهو أمام قابضها، ولله المثل الأعلى، وهذا أصح ما قيل في معنى هذه الآية، وأصح ما يقال في معنى هذا الحديث، فنهي الإنسان أن يبصق أمامه، وكذلك أيضاً عن يمينه؛ لأن فيه الملك كما جاء ذلك في بعض الأحاديث التي ستأتي؛ ولأن جهة اليمين مُكَرّمة، وهي تُصان مما لا تُصان منه الشمال.