طريق أخرى لحديث: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: من خلق الله)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عمرو حدثنا سلمة -يعني ابن الفضل - حدثني محمد -يعني: ابن إسحاق - حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر نحوه، قال: (فإذا قالوا ذلك فقولوا: {اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]، ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً، وليستعذ من الشيطان)].

يعني: أن هذه الأمور إذا حصلت له فإنه يقول: {اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1 - 2] يذكر الله عز وجل ويعظمه، وينصرف عن تلك الأشياء التي خطرت له، فالله واحد لا شريك له، وهو المتفرد بالخلق والإيجاد، وهو الذي يملك النفع والضر، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو الخالق لكل شيء سبحانه وتعالى، وهو الصمد الذي هو مستغنٍ عن كل من سواه، وكل من عداه فهو مفتقر إليه، ولا يستغني عن الله طرفة عين.

فيستحضر هذه المعاني العظيمة، التي تدل على وحدانية الله عز وجل، وعلى تفرده بالخلق والإيجاد، وعلى كمال غناه وفقر كل أحد إليه، وأنه لا يستغني عن الله طرفة عين، وفي ذلك الابتعاد عن هذا الذي يلقيه الشيطان في ذهن الإنسان، من مثل هذه الأمور السيئة التي من الصعوبة على الإنسان أن يتلفظ بها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (سئل عن الرجل يجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتم ذلك؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان) يعني: كون الإنسان يستعظم هذه الأمور ويصعب عليه أن يتكلم بها، فهذا يدل على إيمانه.

لكن من يسهل عليه أن يتكلم بمثل هذه الأمور، أو تأتي شبه فيطلقها ويتبناها ويدعو إليها، فهذا هو الذي أصابه البلاء من الشيطان، بحيث أغواه في الداخل، ثم تجاوز الحد إلى أن أظهر ذلك وتبناه ودعا إليه.

قوله: [({اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:2 - 4])].

فهو لكونه صمداً غني عن كل من سواه، ثم أتى بعد ذلك ما يوضح ويبين استغناء الله عز وجل فقال: ({لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:3 - 4]) فنفى عنه الأصول والفروع والنظراء الذين يشابهونه ويماثلونه وينادّونه، وإنما هو واحد في ذاته وفي صفاته، لا شريك له في الخلق والإيجاد، ولا شريك له فيما يختص به مما يتصف به من الصفات، ولا شريك له في العبادة، بل هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له.

فقوله: [(((لَمْ يَلِدْ)) [الإخلاص:3])] نفي للفروع، [(((وَلَمْ يُولَدْ)) [الإخلاص:3])] نفي للأصول، [({وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4])] نفي للأشباه والنظراء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015