شرح حديث (الله أعلم بما كانوا عاملين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ذراري المشركين.

حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال: (الله أعلم بما كانوا عاملين)].

قوله رحمه الله تعالى: [باب في ذراري المشركين] الذراري: الذرية والنسل، والمقصود: حكمهم في الدنيا وحكمهم في الآخرة، أما حكمهم في الدنيا فهم تبع لآبائهم، ولهذا يحصل التوارث بينهم، ويدفنون في مقابرهم، وأما في الآخرة فقد اختلف فيهم على أقوال عديدة، أظهرها أنهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بما كانوا عاملين).

وقد قيل في معنى الحديث: إنهم يمتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء هذا الامتحان يتبين هل هم من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة، ولهذا كان

صلى الله عليه وسلم ( الله أعلم بما كانوا عاملين) أي إذا امتحنوا في يوم القيامة، فإن النتيجة أو المصير يكون تبعاً لنتيجة ذلك الامتحان، فيسدد من يسدد، ويخذل من يخذل، كما لو كان الأمر حاصلاً في الدنيا.

وهذا هو أظهر ما قيل في ذراري المشركين بالنسبة للآخرة، وهذا القول رجحه جماعة من أهل العلم، منهم ابن القيم في تهذيب السنن، وابن كثير في تفسيره، وشيخنا محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان عند تفسيره قوله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15].

وقد قيل: إنهم يكونون في الجنة، وقيل: إنهم يكونون في النار، وقيلت أقوال أخرى، وقد ذكر ابن القيم في تهذيب السنن ثمانية أقوال، وثامنها أنهم يمتحنون يوم القيامة، وأنهم يصيرون إلى ما كان ينتهي إليه ذلك الامتحان، وقال: إنه جاء في ذلك أحاديث يشد بعضها بعضاً.

والذين قالوا بعدم الامتحان قالوا: إن الآخرة دار جزاء وليست دار تكليف.

ولكن هذا لا ينافي كونهم يمتحنون يوم القيامة، ويتبين أهل السعادة وأهل الشقاوة، فإنه يحصل هذا التكليف كما جاء ما يدل عليه، وتكون النتيجة طبقاً لنتيجة هذا الامتحان.

وعلى هذا فالقول الصحيح في معنى قوله: [(الله أعلم بما كانوا عاملين)] أي الشيء الذي يعملونه إذا امتحنوا، ويحتمل أن يكون المراد به: الله أعلم بما كانوا عاملين لو عاشوا، ومعلوم أن هذا مما لا يكون، والله تعالى يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، مثلما جاء في قصة الغلام الذي قتله الخضر، قال: (ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015