قوله: (يضل من يشاء فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد).
هداية كل مهتدٍ وضلال كل ضال كل ذلك حصل بمشيئة الله وإرادته، والعباد قد بين الله لهم طريق السعادة وطريق الضلالة، وأعطاهم عقولاً يميزون بها بين النافع والضار، فمن اختار طريق السعادة فسلكه انتهى به إلى السعادة، وقد حصل ذلك بمشيئة العبد وإرادته التابعة لمشيئة الله وإرادته، وذلك فضل من الله وإحسان، ومن اختار طريق الضلالة وسلكه انتهى به إلى الشقاوة، وقد حصل ذلك بمشيئة الله وإرادته التابعة لمشيئة الله وإرادته، وذلك عدل من الله سبحانه، قال الله عز وجل: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] أي طريقي الخير والشر، وقال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:3]، وقال: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:17].
والهداية هدايتان: هداية الدلالة والإرشاد، وهذه حاصلة لكل أحد.
وهداية التوفيق، وهي حاصلة لمن شاء الله هدايته.
ومن أدلة الهداية الأولى قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] أي: إنك تدعو كل أحد إلى الصراط المستقيم.
ومن أدلة الهداية الثانية قول الله عز وجل: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56].
وقد جمع الله بين الهدايتين في قوله: {وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25]، فقوله: ((وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ)) أي كل أحد، فحذف المفعول لإرادة العموم، وهذه هي هداية الدلالة والإرشاد، وقوله: ((وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) أظهر المفعول لإرادة الخصوص، وهي هداية التوفيق.