عقيدة أهل السنة والجماعة تمتاز بالصفاء والوضوح والخلو من الغموض والتعقيد، وهي مستمدة من نصوص الوحي كتاباً وسنة، وكان عليها سلف الأمة، وهي عقيدة مطابقة للفطرة، ويقبلها العقل السليم الخالي من أمراض الشبهات، وذلك بخلاف العقائد الأخرى المتلقاة من آراء الرجال وأقوال المتكلمين، ففيها الغموض والتعقيد والخبط والخلط، وكيف لا يكون الفرق كبيراً والبون شاسعاً بين عقيدة نزل بها جبريل من الله إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبين عقائد متنوعة مختلفة خرج أصحابها المبتدعون لها من الأرض، وخلقهم الله من ماء مهين؟! فعقيدة أهل السنة والجماعة بدت وظهرت مع بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونزول الوحي عليه من ربه تعالى، وسار عليها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام ومن تبعهم بإحسان، والعقائد الأخرى لا وجود لها في زمن النبوة، ولم يكن عليها الصحابة الكرام، بل قد ولد بعضها في زمانهم وبعضها بعد انقراض عصرهم، وهي من محدثات الأمور التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
وليس من المعقول ولا المقبول أن يحجب حق عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، ويدخر لأناس يجيئون بعد أزمانهم، فتلك العقائد لو كان شيء منها خيراً لسبق إليه الصحابة، ولكنها شر حفظهم الله منه، وابتلي به من بعدهم.
والحقيقة الواضحة الجلية أن الفرق بين عقيدة أهل السنة والجماعة المتلقاة من الوحي، وبين عقائد المتكلمين المبنية على آراء الرجال وعقولهم، كالفرق بين الله وخلقه، ومثل ذلك ما يكون به القضاء والحكم، فإنه يقال فيه: إن الفرق بين الشريعة الإسلامية الرفيعة المنزلة من الله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبين القوانين الوضعية الوضيعة التي أحدثها البشر كالفرق بين الله وخلقه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]، فما بال عقول كثير من الناس تغفل عن هذه الحقيقة الواضحة الجلية فيما يُعتقد، والحقيقة الواضحة الجلية فيما يحكم به، فيستبدلون الذين هو أدنى بالذي هو خير؟ اللهم اهد من ضل من المسلمين سُبل السلام، وأخرجه من الظلمات إلى النور، إنك سميع مجيب!