وينبغي أن يعلم أن مثل هذا يدل على أن الخضر نبي، وليس بولي فقط؛ لأن الأولياء لا يعرفون الحق إلا عن طريق الأنبياء، وهم تابعون للأنبياء، وأما الخضر فهو نبي، والمحاورة التي جرت بينه وبين موسى تدل على ذلك فقد قال: (أنا على علم من الله لا تعلمه، وأنت على علم من الله لا أعلمه) ثم قال: (علمي وعلمك إلى علم الله مثل ما أخذه الطائر من البحر بمنقاره).
وجاء في سورة الكهف أنه قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82].
وأيضاً: معلوم أن موسى عليه الصلاة والسلام أفضل المرسلين بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد إبراهيم، فهو الذي يلي إبراهيم؛ لأن محمداً صلى الله عليه وسلم خليل كليم، وإبراهيم خليل، وموسى كليم، وإنما ذهب ليحصل من هذا العلم الذي أوحاه الله عز وجل إلى ذلك الرجل، والمحاورة التي بينهما وسياق الآيات من أولها إلى آخرها تدل على أنه نبي وأنه ليس بولي، ولهذا فإن الفتنة حصلت لكثير من الناس بالدعوى أنه ولي، وأنه يحصل من الولي مثل هذه الأمور، فغلوا في الأولياء واعتقدوا فيهم ما لا يجوز، وأنزلوهم المنازل التي لا يستحقونها، ودليلهم أن الخضر حصل منه ما حصل وهو ولي.
ثم أمر آخر يتعلق بالخضر وهو زعم بعض الناس أنه حي موجود، وأنه لم يمت، وهذا أيضاً غير صحيح؛ لأن النصوص تدل على أنه قد مات، وأنه لم يكن موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قد جاء في القرآن {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء:34].
فلو كان الخلد لأحد لكان للنبي صلى الله عليه وسلم، فالقول بأن الخضر كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده غير صحيح، ولو كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف لا يأتي إليه، وهو يجول ويصول في البلاد كما يقولون، ويقطع الدنيا، ويحضر في أماكن كثيرة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يناجي ربه في بدر ويقول: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض).
فلو كان الخضر موجوداً وهلكت العصابة فإن الله يعبد في الأرض حيث يعبده الخضر.
وكذلك جاء في الحديث أنه لا يبقى بعد مائة سنة نفس منفوسة على ظهر الأرض الآن، ومعنى ذلك: أنه بعد مضي مائة سنة من ذلك اليوم الذي تحدث فيه النبي صلى الله عليه وسلم الحديث سيموت كل من كان موجوداً على الأرض، فلو كان الخضر موجوداً في ذلك الوقت لمات قبل مضي مائة سنة، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالقول بأنه قد مات هو القول الذي تدل عليه الأدلة.