قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي سنان عن وهب بن خالد الحمصي عن ابن الديلمي قال: (أتيت أبي بن كعب فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي، قال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار).
قال: ثم أتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك.
قال: ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك.
قال: ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذلك].
سبق في باب القدر من سنن أبي داود بعض الأحاديث وآخر ما مضى حديث جبريل، وهنا حديث أبي بن كعب ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وقد جاء عبد الله بن فيروز الديلمي إلى أبي بن كعب وقال: (وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي!).
فقال رضي الله عنه في جوابه على هذا: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم) ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي، ولكن قد جاء به الحديث مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن الله عز وجل لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، وذلك أنهم يحصل منهم التقصير ويحصل منهم الخلل، فلا يتجاوز عنهم ما يحصل من أي أحد منهم، فيكون قد عذبهم وهو غير ظالم لهم.
قوله: [(ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم)] وذلك أن أعمالهم التي يعملونها لله عز وجل هي أيضاً من رحمة الله عز وجل بهم ومن توفيقه لهم، وما حصل منهم شيء من الأعمال الصالحة إلا بتوفيق الله عز وجل، فالفضل لله عز وجل أولاً وآخراً؛ لأنه هو المتفضل بهذه النعمة.
قوله: [(ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر)].
وذلك أن الإيمان بالقدر من أصول الإيمان، وقد سبق أن مر مثل ذلك عن عبد الله بن عمر بين يدي حديث جبريل.