قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد.
[حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة - يعني ابن شريح - قال: سمعت أبا الأسود - يعني محمد بن عبد الرحمن بن نوفل - يقول: أخبرني أبو عبد الله مولى شداد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سمع رجلاً ينشُد ضالة في المسجد فليقل: لا أداها الله إليك؛ فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا)].
إنشاد الضالة في المسجد هي: أن ينادي إنسان فيقول: من وجد لي كذا، أو ضاع مني كذا وكذا؟ هذا هو المقصود بإنشاد الضالة، قالوا: هي في الأصل تُطلق على الإبل، لكن المقصود بها هنا ما هو أعم من ذلك، سواء كانت من بهيمة الأنعام أو غيرها فليس للإنسان أن ينشد شيئاً ضائعاً له في المسجد مطلقاً؛ لأن المساجد ما بُنيت للكلام في أمور الدنيا، وإنما بُنيت لذكر الله عز وجل.
قوله: [(من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا أداها الله إليك)].
أي: يعامل بنقيض قصده، فكما حرص على الدنيا يدعى بألا يحصل له مقصوده من الدنيا؛ لأنه فَعَل ذلك في مكان لا يسوغ له أن يفعله فيه.
فهذا فيه دليل على منع ذلك في المسجد؛ لأنه لا يسوغ، ويدل أيضاً على أن الاشتغال بأمور الدنيا عموماً حكمه كذلك؛ لأن قوله: (فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا) يشمل ما يتعلق بالضالة وغير الضالة من أمور الدنيا، حيث أن المساجد بُنيت لذكر الله، ولتعلم العلم، ولقراءة القرآن، وللصلاة وعبادة الله عز وجل، وليس للحديث في أمور الدنيا وطلبها والاشتغال بها، ولا لإنشاد ضالة ولا غير ضالة.
أي: ما بُنيت للاشتغال في أمور الدنيا، وإنما بنيت للاشتغال في أمور الآخرة.
والضالة لا تُنشد في المسجد سواء ضاعت في المسجد أو خارج المسجد.