وقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] يوم الدين هو: الجزاء والحساب يوم القيامة، والناس يجازون يوم القيامة بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، والله تعالى مالك الدنيا والآخرة، ومالك كل شيء، فلماذا قيل: مالك يوم الدين مع أنه مالك الدنيا والآخرة؟ لأن ذلك اليوم هو الذي يظهر فيه الخضوع لرب العالمين من كل أحد، أما في الدنيا فقد وجد من يتكبر ومن يتجبر، بل قد وجد من قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24] ووجد من قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38].
أما الآخرة فليس هناك إلا الذل والخضوع لله عز وجل، ففي ذلك اليوم يظهر السؤدد، وهذا هو سر التنصيص على يوم الدين، والله أعلم.
ونظير هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد الناس يوم القيامة) مع أنه سيد الناس في الدنيا والآخرة، ولكن خص بالذكر يوم القيامة؛ لأنه يظهر فيه سؤدده على الخليقة كلها من أولها إلى آخرها، وذلك أنه يشفع الشفاعة العظمى التي تستفيد منها الخليقة كلها من أولها إلى آخرها، ولهذا قيل لمقامه ذاك: المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون.
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] توحيد ألوهية، وقدم المفعول للحصر، أي: نعبدك وحدك ولا نعبد معك غيرك، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] توحيد ألوهية؛ لأنه دعاء، والدعاء هو العبادة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:6 - 7] الذين هم أهل التوحيد، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] الذين جانبوا التوحيد، وكفروا بالله عز وجل.
فإذاً: هذه السورة مشتملة على أنواع التوحيد الثلاثة في مواضع متعددة.