قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو صالح الأنطاكي أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد)، أي: أنه عندما يحصل منه الزنا فإنه يحصل له نقص في الإيمان؛ لوقوعه في المعصية، فيقع النقص في الإيمان من حين يبدأ بالمعصية وهي الزنا هنا إلى أن يتوب منه، وليس أنه بمجرد توبته منها يكفي ذلك، فقد يكون لتلك المعصية حد في الدنيا، وإن أقيم عليه الحد كان كفارة له، وإن لم يقم عليه الحد فإن أمره إلى الله عز وجل، فإن كان تاب منها فالله تعالى يتوب على من تاب، ولهذا جاء في آخر الحديث: (والتوبة معروضة بعد) أي: بعد هذا الذي حصل من ارتكاب الفاحشة، وهذا إذا لم تصل الروح إلى الغرغرة، وإن مات على تلك المعصية والجريمة فإن أمره إلى الله عز وجل: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه وأدخله النار، ولكنه إذا أدخله النار فإنه لا يخلده فيها، بل يخرجه منها ويدخله الجنة، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلها، سواءً كانوا كفاراً أصليين، أو مرتدين، أو منافقين نفاقاً اعتقادياً، فإن أولئك هم الذين يبقون فيها إلى غير نهاية.
أما من كان مرتكباً للكبائر -سواءً كانت واحدة أو أكثر- فإن أمره إلى الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فكل ذنب دون الشرك هو تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، فإنهم يعتبرون صاحب الكبيرة فاسقاً، ولا يخرجونه من الإسلام، ولا يجزمون بعذابه، وإذا عذب فإنهم لا يقولون بتخليده، بل أمره إلى الله عز وجل: إن شاء عفا عنه ولم يعذبه، وإن شاء عذبه، ولكنه إذا عذبه بالنار فلابد أن يخرجه من النار ومآله إلى الجنة، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) أي: أنه عند مواقعته المعصية لم يكن عنده كمال الإيمان، بل عنده نقص في الإيمان.
وأما الخوارج فإنهم يقولون بكفر الزاني وغير الزاني ممن ارتكب الفواحش والمحرمات، ويقولون بتخليده في النار إلى غير نهاية، ويقول المعتزلة: إنه خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، فهو في منزلة بين منزلة الإيمان والكفر، ولكن في النهاية قولهم مطابق لقول الخوارج بأنه يخلد في النار.
فقوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) ليس معنى ذلك: أنه ينتفي عنه الإيمان حتى يكون كافراً خارجاً من الإسلام، ولكن المراد أن إيمانه ينقص، ويكون فيه ضعف، ولا يكون كاملاً، بل يكون بسبب الفاحشة أنقص مما كان عليه قبل أن يفعل الفاحشة، وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها أبو داود في زيادة الإيمان ونقصانه، فهذا فيه ينقص الإيمان، (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد)، والله تعالى يتوب على من تاب، فإن التوبة تجب ما قبلها، فالشرك وهو أعظم الظلم، وأبطل الباطل إذا تاب الكافر منه تاب الله عليه، فكذلك ما دونه.