قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة قال: واقد بن عبد الله أخبرني عن أبيه أنه سمع ابن عمر يحدث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)].
ذكر أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وهذا الحديث أورده المصنف في هذا الباب من أجل أن ضرب المؤمنين رقاب بعضهم يعد كفراً، والمقصود بذلك أنه كفر دون كفر، وهو يدل على أن في ذلك نقصاً للإيمان، وإن أريد به أنه كفر مخرج من الملة، فيكون المقصود أنهم لا يرتدون بعده، فيحصل مع ارتدادهم وكفرهم أن بعضهم يضرب رقاب بعض، ويكون المقصود بذلك ما حصل من بعض الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقاتلهم الصديق وكان ذلك من أجل أعماله رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فقد بذل جهده في أن يرجع الناس إلى ما كانوا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فسعى في إصلاح الخلل الداخلي، ثم بعد ذلك انتقل إلى جهاد الكفار وغزوهم في بلادهم بعد أن قاتل المرتدين، فرجع من رجع منهم إلى الإسلام، وقتل من قتل منهم على الردة.
فإنه يحتمل هذا، ويحتمل أن يكون المقصود به حصول المشابهة للكفار الذين يسهل عليهم القتل، فإن من شأنهم التقاطع وقتل بعضهم بعضاً، وشأن المسلمين بخلاف ذلك، فهم متوادون ومتراحمون ومتعاطفون.
وعلى هذا فإيراد المصنف الحديث هنا في زيادة الإيمان ونقصانه على اعتبار أن هذا الفعل ليس ردة، ولا يتعلق بالمرتدين، وإنما يتعلق بالمسلمين الذين يحصل منهم التقاتل بغير حق.
وقد جاء في بعض الأحاديث: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، والمقصود من ذلك أنه كفر دون كفر، فيكون ذلك: من قبيل المعاصي الكبيرة، ومعلوم أن الذنب الذي يوصف بأنه كفر يكون من أكبر الكبائر، ومن أخطر الأشياء.