Q ما الجمع بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عن دعوته بالسيد، وقوله في حديث الباب: (إن ابني هذا سيد)؟
صلى الله عليه وسلم لم ينههم الرسول صلى الله عليه وسلم نهياً مطلقاً، وإنما قال: (قولوا بقولكم، أو بعض قولكم)، والمعنى: أنكم لا يستهوينكم الشيطان فتزيدوا في الأمر، فأراد منهم أن يكفوا عن المبالغة، وإلا فإنه قد أخبر عن نفسه بأنه سيد، فقال: (أنا سيد ولد آدم، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع)، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقال: (أنا سيد الناس يوم القيامة) كما جاء في حديث الشفاعة الطويل، وقوله هنا: (أنا سيد الناس يوم القيامة) مع أنه سيدهم في الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم؛ لأنه في ذلك اليوم يظهر سؤدده على الجميع من لدن آدم إلى آخر البشر، فالناس في يوم المحشر يجتمعون في صعيد واحد، ويموج بعضهم في بعض، فيبحثون عمن يشفع لهم إلى الله ليخلصهم مما هم فيه من شدة الموقف، فيذهبون إلى آدم فيعتذر، وإلى نوح فيعتذر، وإلى إبراهيم فيعتذر، وإلى موسى فيعتذر، وإلى عيسى فيعتذر، ثم يأتون إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فيقول: أنا لها، ثم يتقدم ويشفع فيشفعه الله عز وجل، وهذه الشفاعة يقال لها: المقام المحمود، وسميت مقاماً محموداً لأنه يحمده عليه الأولون والآخرون، فظهر سؤدده فيها على الأولين والآخرين، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا تبليغاً عن الله ومبيناً عظيم منزلته عند الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس بعده نبي يبين منزلته عند الله، فشريعته صلى الله عليه وسلم هي آخر الشرائع، وقد بين ما يتعلق به صلى الله عليه وسلم مما يعتقد في حقه عليه الصلاة والسلام كما في هذه الأحاديث.