قوله: [فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم]، القوم هنا هم: الصحابة، فلا تشذ عنهم، ولا تخرج عن طريقهم، ولا تتصور أن ما أنت عليه من الباطل حق ظفرت به، وأنه حُجب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يظفروا به، فمعاذ الله أن يكون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حيل بينهم وبين الحق، وأن يكون قد ادُّخر لأناس يجيئون من بعدهم؛ ولهذا فإن الخير كل الخير، والسعادة كل السعادة في اتباع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأما ما أحدث بعدهم فهو من البدع التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة) ولهذا قال هنا: (فارض لنفسك ما رضي به القوم) أي: يكفيك ما كفى الصحابة، فلا تخرج عن طريقهم، وقد جاء في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي أورده الدارمي في سننه في قصة الجماعة الذين كانوا متحلقين في المسجد، وكانوا يسبحون بالحصى، وفيهم شخص يقول: كبروا مائة هللوا مائة سبحوا مائة، ويعدون ذلك بالحصى حتى يكملوا هذا العدد، فوقف على رءوسهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود وقال: [ما هذا يا هؤلاء؟! عدوا سيئاتكم فأنا ضامن ألّا يضيع من حسناتكم شيء، ثم قال: إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنكم مفتتحو باب ضلال، قالوا سبحان الله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير في هذا الذي نفعله، فقال رضي الله عنه: (وكم من مريدٍ للخير لم يصبه)، أي: أن هذا من البدع والمحدثات، والحاصل أنه بيّن لهم أن الحق إنما هو في ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن مخالفتهم وفعل شيء لم يكن على منهجهم وطريقتهم إنما هو من الضلال والبدع المحدثة.