قوله: [(فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً)]، وهذا إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر سيقع، وهو من دلائل نبوته؛ لأنه يخبر عن الأمور الماضية فتكون واقعة طبقاً لما أخبر به، ويخبر عن الأمور مستقبلة فتقع طبقاً لما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أنه سيوجد الاختلاف، ومع وجوده فإنه يكون كثيراً، وهذا الاختلاف -كما هو معلوم- إنما يكون في النحل والعقائد، وفي الاتجاهات المخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك مثل البدع المختلفة التي حصلت في الأمة من التجهم والاعتزال والرفض، وغير ذلك من البدع التي حصلت بعد ذلك طبقاً لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)، وبعد هذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من وجود الاختلاف كأن قائلاً يقول: وما هو طريق السلامة والنجاة من هذه الاختلافات؟ لذلك بين الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك دون أن يسأل عنه؛ لأنه في ظل وجود هذا الاختلاف لابد من سلوك طريق مستقيم، فالنبي صلى الله عليه وسلم بعد إخباره بهذا الاختلاف أرشد إلى طريق السلامة والنجاة، فقال: (فعليكم) و (وإياكم)، فرغّب ورهّب رغب في السنن، ورهب من البدع، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى السنن ورغب فيها، ثم حذر من البدع المخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.