قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم.
حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن رجل عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله)].
أورد أبو داود باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم، ومجانبة أهل الأهواء تعني البعد عنهم، وعدم مخالطتهم، وبغضهم يكون من أجل الله، ومن أجل ما هم عليه من الأهواء، ومن أجل مخالفتهم للسنة، وارتكابهم للبدع، فهم يُبغضون من أجل ذلك، ويبتعد عنهم، وهذا هو معنى المجانبة، أي: أن يكون المرء في جانب وهم في جانب حتى يسلم من بدعهم وبلائهم، وهو مع كونه يجانبهم ويبتعد عنهم فإنه يبغضهم؛ لأن من شأن المسلم أن يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويحب من يحبه الله ورسوله، ويحب ما يحبه الله ورسوله، ويبغض من يبغضه الله ورسوله، وما يبغضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء في الحديث (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله -أي: أن الحب يكون في الله ومن أجل الله- وأن يكره أن يعود للكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)، وهذه الثلاث الخصال من وجدت فيه ذاق طعم الإيمان، وهذا يطابق ما نحن فيه من جهة أنه يبغض أهل الأهواء والبدع من أجل الله؛ لأنهم انحرفوا عن الجادة، وخرجوا عن الصراط المستقيم، وتركوا المنهج القويم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخروج منه قد يوصل إلى حد الكفر، فتكون تلك البدعة مكفرة، ويكون صاحبها كافراً وحكمه حكم الكفار، ومنها ما تكون بدعة مفسقة وليست مكفرة، وهذا هو الذي تدخل فيه الفرق التي مر ذكرها، وهم أمة الإجابة، وأما من كانت بدعته مكفرة فهذا ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم -أمة الإجابة-، وإنما هو من الكفار الذين مآلهم إلى النار، ويبقون فيها أبد الآباد إلى غير نهاية.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله)، وهذا الحديث ورد بهذا الإسناد وهو ضعيف، ولكنه ثابت بلفظ: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)، والحديث الذي أشرت إليه سابقاً، وهو: (أن يحب المرء لا يحبه إلا لله)، وأن من كان كذلك فقد ذاق حلاوة وطعم الإيمان؛ لأنه يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويحب من يحبه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام من الأشخاص، ويحب ما يحبه الله ورسوله من الأقوال والأعمال، فهو يحب في الله، ومن أجل الله.