قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الجدال واتباع المتشابه من القرآن.
حدثنا القعنبي حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري عن عبد الله بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الآية: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ)) [آل عمران7] إلى ((أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) [آل عمران7]، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)].
أورد أبو داود باب النهي عن الجدال واتباع المتشابه من القرآن، والمراد: الجدال في القرآن بالباطل وبغير حق، وكذلك اتباع المتشابه من القرآن، وهو الذي يكون في دلالته خفاء، والقرآن فيه محكم ومتشابه، فالمحكم دلالته واضحة جلية لا خفاء فيها، والمتشابه هو الذي دلالته غير واضحة، وطريقة أهل السنة والجماعة في ذلك أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، وأما طريقة أهل الأهواء فإنهم يتركون المحكم ويصيرون إلى المتشابه؛ ولهذا جاء في هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)، أي الذين يتبعون المتشابه، ولا يردونه إلى المحكم، ولو ردوه إلى المحكم لاتضح وتبين، ولكنهم يأخذون بالمتشابه ويفسرونه بما يريدون من الاحتمالات، فأولئك هم الذين ذمهم الله عز وجل، ولهذا قال: (فاحذروهم) أي: الذين هذا شأنهم.
وقد وصف القرآن بأنه كله محكم، ووصف بأنه كله متشابه، ووصف بأن منه المحكم ومنه المتشابه، فهناك إحكام عام، وهناك إحكام خاص، وهناك محكم ومتشابه متقابلان، ويفسر كل واحد منهما بمعنى، فمعنى كون القرآن محكماً أي: أنه في غاية الإتقان والإحكام، وهذا هو الإحكام العام، ومعنى كونه متشابهاً، أي: يشبه بعضه بعضاً في الحسن والإتقان، وقد جاء الإحكام العام في أول سورة هود في قوله: ((كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)) [هود:1]، وجاء التشابه العام في قوله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر:23]، وأما آية آل عمران فقسمته إلى محكم ومتشابه، فالمحكم هو: الواضح الجلي، والمتشابه هو: الذي في دلالته خفاء ويحتمل احتمالات.