قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب دية الجنين.
حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة: (أن امرأتين كانتا تحت رجلٍ من هذيل، فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال أحد الرجلين: كيف ندي من لا صاح ولا أكل ولا شرب ولا استهل؟ فقال: أسجع كسجع الأعراب؟! فقضى فيه بغرة، وجعله على عاقلة المرأة)].
يقول رحمه الله تعالى: [باب دية الجنين].
الطفل ما دام أنه في البطن فإنه يقال له: جنين؛ لأنه مستتر في تلك الجنة التي هي البطن، فهو مأخوذ من حقيقته وهيئته التي هو عليها؛ لأنه في بطن أمه في جنة، فإن خرج ميتاً فهو سقط، وإن خرج حياً فهو طفل أو صبي، والجنين ديته جاءت بها السنة، فمن اعتدى على امرأة وخرج ما في بطنها ميتاً، فإن ديته الواجبة فيه غرة، عبدٌ أو أمة، وتكون على عاقلة الجانية التي حصل منها ذلك، فهذه هي الدية التي جاءت بها السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الجنين، وقوله: غرة عبد أو أمة، هذا للتنويع وليس للشك، فسواء كان ذكراً أو أنثى فإنه يحصل به المقصود.
أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: أن امرأتين من هذيل اختصمتا فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها، فقضى الرسول صلى الله عليه وسلم بديتها على عاقلة الجانية التي قتلتها، وقضى أيضاً بالغرة على عاقلتها، وقد قال أحد أولياء القاتلة الذين طلب منهم العقل: [(كيف ندي من لا صاح ولا أكل ولا شرب ولا استهل؟!)] يعني: أنه ما أكل ولا شرب ولا صاح ولم يخرج وهو حي حياة مستقرة، وإنما خرج ميتاً فكيف نديه؟ وكيف نعقله؟ قوله: [(أسجع كسجع الأعراب)].
وفي بعض الروايات: (كسجع الكهان) المقصود بذلك السجع الذي يكون بباطل، أو فيه الاعتراض على حق، أما السجع الذي ليس من هذا القبيل وليس فيه شيء من التكلف، فإنه لا بأس به، وقد جاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض أحاديثه ما هو مسجوع، فدل هذا على أن السجع الممنوع والذي ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم هو سجع الكهان أو الأعراب، وذلك أنهم يأتون بكلام مسجوع؛ ليروجوا به ما عندهم من الباطل، فهذا هو الذي يكون مذموماً، أما إذ كان السجع ليس من هذا القبيل، فإنه لا بأس به ولا مانع منه.
قوله: [(أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل، فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها)].
فكونها ضربتها بعمود فهذا يشعر أنه شيء قاتل، وذلك أن شبه العمد يكون بشيء غير قاتل، مثل: عصا أو سوط أو شيء لا يقتل غالباً، وأما العمود أو الخشبة الكبيرة أو الصخرة؛ فإن هذه تقتل، وقد جاء في بعض الروايات: (وأمر بها أن تقتل) وجاء في بعضها ذكر الدية، ولعل الذين لهم الحق ما طالبوا بالقتل وإنما رضوا بالدية، فجاء بيانها، أو أنه يكون شبه عمد، فلهذا جاء في بعض الروايات أنه جعل الدية على عاقلتها، ومعلوم أن قتل العمد الجناية فيه على الجاني وليست على العاقلة، فيمكن أن يكون هذا العمود عصاً صغيرة، أو أنه لا يحصل به القتل، وأنه عبر عنه بالعمود لكونه كبيراً وإن لم يكن بالهيئة التي يكون عليها الشيء القاتل.
قوله: [(فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحد الرجلين: كيف ندي من لا صاح، ولا أكل، ولا شرب، ولا استهل؟)].
هذا يتعلق بالذي بعده، وهي الغرة في الجنين.
قوله: [(فقال: أسجع كسجع الأعراب؟ فقضى فيه بغرة، وجعله على عاقلة المرأة)].
يعني: يبدو أن فيه تقديماً وتأخيراً؛ لأن السجع جاء بعد الحكم بالغرة، وأنه قضى فيه بغرة، فقال: كيف ندي من كان كذا وكذا؟