قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب يقاد من القاتل.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان؟ أفلان؟ حتى سمي اليهودي، فأومت برأسها، فأُخذ اليهودي فاعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرض رأسه بالحجارة)].
قوله: [باب: يقاد من القاتل].
هذه ترجمة لهذا الباب، وقد جاء في بعض النسخ: [باب يقاد من القاتل بحجر أو غيره أو نحوه].
والمقصود من ذلك هو قتل القاتل بمثل ما قتل به، وليس المقصود من ذلك إثبات القود، فالقود ثابت وإنما المقصود القود بالمماثلة.
وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الجمهور إلى أنه يقتل بمثل ما قتل به، إلا أن يكون ذلك الذي قتل به أمراً محرماً لا يجوز فعله، كإسقاء الخمر، أو فعل الفاحشة؛ فإنه لا يقاد بالطريقة المحرمة وإنما يقاد بالسيف في مثل ذلك، وأما إذا كان رضه بحجارة أو ألقاه من شاهق أو سقاه سماً، أو غير ذلك من الأسباب التي يمكن المماثلة فيها وليست محرمة، فإنه يقاد بهذه الطريقة.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن كل قتل إنما يقاد بالسيف، ولكن الأحاديث التي وردت في هذا الباب دالة على أنه يقتل بمثل ما قتل به، وأن الطريقة التي قتل بها يقتل بها، ولا يقال: إن هذا فيه مثلة؛ لأن هذا التمثيل فيما يحصل ابتداء، أما إذا كان من باب العقوبة ومن باب المقابلة فهذا سائغ وجائز، ولكن يستثنى من ذلك ما أشرت إليه، وهو إذا كان الفعل محرماً فلا يجوز فعله ابتداء ولا انتهاء.
قوله: [(أن جارية وجدت قد رض رأسها)].
يعني: أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين، وكان بها رمق -أي: بقية حياة- فكانوا يسألونها: من فعل بك هذا؟ فلان؟ ممن هم متهمون، وهي تومئ برأسها: أن لا، ولما عرضوا عليها اسم من باشر قتلها أشارت: أن نعم، وعند ذلك أحضروه فاعترف فرض رأسه بين حجرين.
وهذا السؤال لا يعتبر بينة، ولكنه يعتبر قرينة وحصراً للتهمة في جهة معينة، بدلاً من أن تكون موزعة ومنتشرة فإنها تحصر التهمة في جهة معينة، فلما انحصرت التهمة به سألوه فاعترف فقتل باعترافه، أما مجرد دعوى من يدعي بأن فلاناً قتله وليس هناك بينة فإنه لا يصار إلى ذلك، ولكن العمل إنما هو بالاعتراف الذي حصل من الجاني.
وفيه أن الرجل يقتل بالمرأة، أما الدية فتختلف دية المرأة عن الرجل، فدية المرأة على النصف من دية الرجل، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.