قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إقامة الحد في المسجد.
حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة -يعني ابن خالد - حدثنا الشعيثي عن زفر بن وثيمة عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود)].
قوله: [باب في إقامة الحد في المسجد]، أي: أنه لا يقام الحد في المسجد؛ وذلك لأن من الحدود ما يكون فيه قتل أو قطع، فإذا أقيمت في المسجد توسخ وتقذر بالدماء، وقد يحصل فيه لغط وأصوات، وقد يحصل من الشخص الذي يقام عليه الحد أصوات منكرة، والمساجد إنما بنيت لذكر الله عز وجل، وإقامة الصلاة، ولم تبن لمثل هذا العمل، فالحدود تقام في غير المسجد، ولهذا جاء الحديث عن حكيم بن حزام رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار وأن تقام فيه الحدود).
والنهي عن إنشاد الأشعار المقصود منه: ألا تصير محلاً لمثل هذا، وأما مجرد إنشاد الشعر، أو أن يتلو الإنسان شعراً أو يذكره أو يستنشد فلا بأس بذلك؛ لأن حسان رضي الله عنه لما أنكر عليه عمر قال: (كنت أنشده وفيه من هو خير منك) يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن أن تصير مكاناً لإلقاء الأشعار والمقابلة بها فهذا لا يصلح، وأما مجرد أن يذكر فيه شيئاً من الشعر، أو يؤتى بشيء من الشعر الجميل، أو يقرأ أحد شيئاً فيه شعر على أحد من الناس في المسجد فلا بأس، وإنما المقصود من ذلك أن يصير كالأماكن التي هي محل لإنشاد الأشعار، كالأسواق التي كانوا يتخذونها في الجاهلية، فلا يجوز أن تجعل المساجد كتلك الأسواق التي هي محل لإنشاد الأشعار.