قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال: (مُرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود، فدعاهم فقال: هكذا تجدون حد الزنا؟ قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم قال له: نشدتك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ فقال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه، وإذا أخذنا الرجل الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا: تعالوا فنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد، وتركنا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة:41] إلى قوله: {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} [المائدة:41] إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]: في اليهود، إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45]: في اليهود، إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47]، قال: هي في الكفار كلها يعني: هذه الآية)].
أورد أبو داود حديث البراء بن عازب من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة على ذلك، وفيه أنه نزلت الآية، وهو يدل على أنهم تحاكموا إليه؛ وذلك لأن في قوله: {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} [المائدة:41]، يعني: إن أوتوا الشيء الذي يناسبهم والذي هو التخفيف أخذوا به، وإن لم يؤتوه فإنهم لا يأخذون بالرجم الذي هو موجود عندهم، وهذا يدل على حصول التحاكم في هذه القصة، ولكنهم يريدون شيئاً يناسب أهواءهم وأغراضهم، ويناسب الشيء الذي وضعوه لأنفسهم وجعلوه بديلاً عن حكم الله الذي أنزله الله تعالى على موسى، فإن جاء شيء مثل الذي وضعوه لأنفسهم كالجلد والتحميم أخذوه، وإن لم يؤتوه فإنهم يحذرون أن يقعوا أو تحصل لهم تلك العقوبة التي هي موجودة عندهم، والتي هم فروا منها، وفيه أيضاً بيان أنهم كانوا في أول الأمر تركوا إقامة الرجم على الأشراف وأنهم يقيمونه على غيرهم، وبعد ذلك رأوا أن يتركوا ذلك الحكم ويستبدلونه بحكم من تلقاء أنفسهم، فاجتمع علماؤهم واتفقوا على هذا الحكم الذي هو كونهم يجلدون ويحممون بتسود وجوههم بالفحم.
وما جاء في هذا الحديث يبين معنى ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي سبق أن مر، والذي فيه قال: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، فإن هذا الذي ذكروه في هذا الحديث من أنهم كانوا يتركون إقامة الحد -وهو الرجم- على الشريف ويقيمونه على الوضيع، ثم بعد ذلك رأوا أن يبدلوه بحكم يطبقونه على كل أحد وهو غير الرجم.
قوله: [(مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم)].
معناه: أنه قد حصل له الجلد والتحميم ثم الطواف به على حمار ووجهه مما يلي مؤخرة الحمار، على خلاف المعتاد الذي اعتاده الناس من أن الراكب يكون وجهه إلى وجه المركوب، وهذا علامة على الفضيحة والخزي.
قوله: [(فدعاهم فقال: هكذا تجدون حد الزاني؟ فقالوا: نعم)].
فقالوا: نعم يعني: وهم كاذبون! قوله: [(فدعا رجلاً من علمائهم قال له: نشدتك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه، وإذا أخذنا الرجل الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد وتركنا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة:41] إلى قوله: {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} [المائدة:41])].
وهذا هو المقصود من إيراد الآية، يعني: أنهم يتحاكمون من أجل أن يحصلوا على ما يناسبهم، وإن لم يحصلوا عليه فإنهم يبقون على ما هم عليه، وهذا يدل على أن القضية فيها تحاكم وأنهم جاءوا متحاكمين، وأنهم يريدون الأخذ بالحكم إن جاء بما يناسبهم، وإن لم يأت بشيء يناسبهم فإنهم لا يأخذون به.
قوله: [(إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] في اليهود، إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] في اليهود، إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] قال: هي في الكفار كلها يعني: هذه الآية)].
ثم ذكر الآيات التي نزلت في الحكم بغير ما أنزل الله، والآية الأولى فيها: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]، والآية الثانية ختامها: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45]، والآية الثالثة ختامها: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47]، ومعلوم أن الكفر والظلم والفسق كل منهما يكون أكبر ويكون أصغر، يعني: يكون كفراً دون كفر وظلماً دون ظلم، وفسقاً دون فسق، فالفسق يطلق على الكفر ويطلق على ما دون الكفر، والظلم يطلق على الكفر وعلى ما دون الكفر، والكفر يطلق على الكفر المخرج من الملة والكفر الذي هو دونه.
فقال: إن الآية الأولى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] في اليهود، والثانية التي هي: ((الظَّالِمُونَ)) في اليهود، والثالثة التي هي: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] هذه في الكفار جميعاً.
وبعض أهل العلم يقول: إن الآيات كلها في الكفار جميعاً، وإن كان أصلها أنها جاءت في حق اليهود إلا أن الحكم عام للجميع، وليس خاصاً باليهود والنصارى وإنما هو للعموم.
قوله: [(فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة:41] إلى قوله: {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} [المائدة:41] إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] في اليهود، إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] في اليهود، إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] قال: هي في الكفار كلها يعني: هذه الآية)].
لا أدري هل هذا من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أم أن الذي قاله هو البراء؟ فهنا لم يتبين.