قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً]، أي: ما حكمه؟ هل يقطع أو هل يقام عليه الحد؟ والمجنون إذا كان حصل منه الذي يقتضي إقامة الحد في حال جنونه فإنه لا حد عليه؛ لأنه غير مكلف وغير مؤاخذ؛ ولأن عقله ليس معه، وأما إن كان يصحو ويحصل له الجنون في فترات متقطعة، فإنه إذا حصل ذلك في حال صحته وعافيته فإنه يقام عليه الحد؛ لأنه فعل وهو مكلف.
فإذاً: فيه تفصيل، إن كان حصل في حال جنونه وعدم صحوه فإنه لا يؤاخذ ولا يكلف، ولا يقام عليه الحد، وإن حصل في حال سلامته من الجنون، وفي حال صحته وعافيته فإنه يقام عليه الحد؛ لكونه فعل الأمر المحرم الذي يكون عليه الحد في حال تكليفه.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، والمبتلى حتى يبرأ، والصغير حتى يكبر)، يعني: حتى يصل إلى سن البلوغ.
ومعنى: (رفع القلم)، يعني: أنه رفع الإثم والمؤاخذة عليه في حال صغره، وحال جنونه، وحال نومه، فإنه لا يكون مؤاخذاً، وهذا فيما يتعلق بالإثم، وفيما يتعلق بكتابة الشر، يعني: رفع ذلك عنه فإنه لا يؤاخذ، وأما بالنسبة للثواب والحسنات، فإن ذلك يحصل له كما جاء في حديث المرأة التي رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً، وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجرٌ)، يعني: هو له حج، وهي لها أجر، لكونها حجّجته، ولكونها نوت الحج عنه.
وعلى هذا فلا يؤاخذ على ما يحصل منه في حال جنونه، وفي حال صغره، وفي حال نومه؛ لأنه قد رفعت عنه المؤاخذة، وكتابة الشرور والأعمال السيئة؛ لأنه ليس من أهل التكليف: (رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمبتلى حتى يبرأ، والصحيح حتى يكبر).