شرح حديث: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث)

قال المصنف رحمه الله تعالى [حدثنا محمد بن سنان الباهلي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد الله بن عمير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محارباً لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب، أو ينفى من الأرض، أو يقتل نفساً فيقتل بها)].

أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محارباً لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض، أو يقتل نفساً فيقتل بها).

ذكر هنا في هذا الحديث الرجل الزاني المحصن، وكذلك قتل القاتل قصاصاً، ولم يذكر الردة، ولكنه ذكر المحاربة، وهو سيذكر في باب المحاربة؛ لأنه يتعلق بأحكام المحاربة، وقد يكون أورده في باب الردة من جهة أن الذي يحارب الله ورسوله يحصل منه الردة، فيكون ذكره من هذه الناحية، والحديث الذي سبق أن مر وهو حديث ابن مسعود ذكر الثلاثة: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة، وهذا مثله فيما يتعلق بالزاني وفيما يتعلق بالنفس بالنفس، وأما ما يتعلق بالقسم الثالث الذي هو المحاربة، وإذا كان الذي حصل منه ذلك ارتد عن الإسلام، وفعل هذه الأمور فإنه يدخل تحت هذا الباب الذي هو: باب الحكم فيمن المرتد.

قوله: [(لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)]، كلمة (مسلم) هذه فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لأنه لا يدخل الإسلام بدون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتكون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صفة كاشفة، يعني: أنها زيادة توضيح وبيان وأن شأن المسلم أن يكون كذلك، فالشهادتان تعتبر صفة كاشفة؛ لأن الإسلام لا يكون إلا بالشهادتين، وبدون الشهادتين لا يدخل في الإسلام.

قوله: [(دم امرئ مسلم)].

يعني: يدل على أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لأنه إذا لم يكن كذلك لا يقال: إنه مسلم، وعلى هذا تكون (يشهد أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله) صفة كاشفة، وهي التي توضح وتبين.

قوله: [(رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم)].

يعني: أنه محصن ولم يكن بكراً، فالبكر حكمه الجلد مائة والتغريب مدة عام، وأما الثيب فإنه يرجم بالحجارة حتى الموت؛ لأن في رمي الحجارة عقوبة على سائر الجسد، وأن الحجارة تقع عليه هنا وهنا، لأن اللذة التي حصلت بالجماع هي في جميع الجسد، فكان حكمه أن يرجم وأن يقتل هذه القتلة؛ لأن العمل الذي عمله فيه خبث، ولأنه قد أعف نفسه بالحلال فأقدم على الحرام فصارت عقوبته أن يرجم.

وأما ما يتعلق بالحرابة فقد جاء في القرآن الكريم بيان الأحوال التي يكون عليها معاملة الحرابة وذلك في قول الله عز وجل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:33]، هذه أحوال من أربع تكون للمحاربة، وقد اختلف العلماء فيها فمنهم من قال: إن الإمام مخير بين هذه الأمور وغيرها، يفعل ما فيه المصلحة، ومنهم من فصل وقال: إن قتل وأخذ المال صلب، وإن قتل ولم يأخذ مالاً فإنه يقتل، ومن أخذ مالاً ولم يقتل فإنه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف كما جاء ذلك في القرآن، والذي جاء في الحديث ليس فيه ذكر ما جاء في القرآن فيكون فيه اختصار، وذكره لكلمة (رجل) لا مفهوم له في الحرابة.

قوله: (ورجل خرج محارباً لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض).

لا يوجد فيه ذكر القطع للأيدي والأرجل من خلاف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015