قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي أن عبد العزيز بن أبي حازم حدثهم عن أبيه عن وعمارة بن عمرو عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كيف بكم وبزمان أو يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة، تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا - وشبك بين أصابعه - فقالوا: وكيف بنا يا رسول الله؟! قال: تأخذون ما تعرفون، وتذرون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم) قال أبو داود: هكذا روي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة).
والغربلة: أنهم يفتنون فيتميز الصالحون من غيرهم وتبقى حثالة كالنخالة التي تكون في المنخل عندما يغربل فيه الحب أو الدقيق، فإنه يسقط الشيء الخالص، ويبقى الحثالة التي لا تدخل من ثقوب المنخل، فهؤلاء الذين يبقون هم مثل الحثالة التي تبقى في المنخل، والذين فيهم الخير يخرجون كما يتساقط الدقيق أو الحب من فتحات أو من خروق المنخل.
قوله: (يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأمانتهم واختلفوا فكانوا هكذا - وشبك بين أصابعه -)].
قد مرجت عهودهم وأماناتهم، يعني: اختلطت وذهب الوفاء بها فتذهب الأمانات ولا يوفى بالعهود.
قوله: [(قد مرجت عهودهم وأمانتهم، واختلفوا فكانوا هكذا وشبك بين أصابعه)].
شبك بين أصابعه يعني: كما تتداخل الأصابع مع بعضها عند التشبيك بحيث تختلط وتمتزج، يكون هذا شأن هؤلاء الذين مرجت عهودهم وأماناتهم.
قوله: [(فقالوا: وكيف بنا يا رسول الله؟! قال: تأخذون ما تعرفون، وتذرون ما تنكرون)].
يعني: كيف بنا إذا كان في ذلك الوقت، قال: تأتون ما تعرفون يعني: ما هو معروف، وتدعون ما تنكرون يعني: ما هو منكر أي: ما عرفتم أنه حق فاعملوا به، وما أنكرتم شيئاً ولم تعرفوا أحقيته فاتركوه.
قوله: [(وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم)].
وتقبلون على أمر خاصتكم، يعني: كل يسعى لسلامة نفسه وحفظها، وكونهم مرجت عهودهم وأماناتهم، وصاروا بهذه الأوصاف والهيئات معناه أن الإنسان يحرص على أن يبقى سالماً، وألا يصيبه ما أصابهم، وألا يحصل له ما حصل لهؤلاء الذين مرجت عهودهم وأماناتهم، ومعلوم أن الأمانات عامة تشمل كل ما بين الإنسان وبين ربه، وكل ما بينه وبين الناس، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58].
أي: كل ما أمر به الإنسان سواء كان حقاً لله أو حقاً للمخلوقين فإن عليه أن يؤديه، وبذلك يكون أدى الأمانة، وإذا كان بخلاف ذلك فإنه يكون قد خان الأمانة، والصلاة أمانة، والزكاة أمانة، والغسل من الجنابة أمانة، وكل هذه أمانات، وحقوق الآدميين أمانة، وعلى الإنسان أن يؤدي الأمانات.