Q هل المشاركة في الانتخابات من تغيير المنكر باليد، حيث إن الإنسان يختار الرجل الصالح ليكون حاكماً؟
صلى الله عليه وسلم هذه الانتخابات ليست من الطرق الشرعية، وإنما هي من الطرق الوافدة على المسلمين من أعدائهم، والحكم فيها للغلبة ولو كانت الأغلبية من أفسد الناس، أو كان الذي ينتخبونه من أفسد الناس؛ لأنهم ينتخبون واحداً منهم، والحكم للغلبة، وحيث يكون الغلبة أشراراً فإنهم سيختارون شريراً منهم.
والدخول في الانتخابات إذا لم يحصل من ورائه فائدة ومصلحة فلا يصلح، ولكن إذا كان سيترتب عليه مصلحة من أن الأمر يدور بين شخصين أحدهما سيء والثاني حسن، ولو لم يشارك في تأييد جانب ذلك الحسن فإنه تغلب كفة ذلك السيئ، فإنه لا بأس بالمشاركة من أجل تحصيل تلك المصلحة ودفع المضرة.
بل لو كان الأمر يدور بين شخصين أحدهما شرير والثاني دونه في الشر كما يحصل في بعض البلاد التي فيها أقليات إسلامية والحكم فيها للكفار، فإذا صار الأمر يدور بين كافرين أحدهما شديد الحقد على المسلمين, وشديد المعاداة لهم، ويضيق عليهم، ولا يمكنهم من أداء شعائرهم، والثاني مسالم، ومتعاطف مع المسلمين، وليس عنده الحقد الشديد عليهم، فلا شك أن ترجيح جانب من يكون خفيفاً على المسلمين أولى من ترك الأمر بحيث يتغلب ذلك الكافر الشديد الحقد على المسلمين.
ومعلوم أنه جاء في القرآن أن المسلمين يفرحون بانتصار الروم على الفرس، وهم كفار كلهم، لكن هؤلاء أخف؛ لأن هؤلاء ينتمون إلى دين، وأولئك يعبدون الأوثان ولا ينتمون إلى دين، وإن كان الجميع كفاراً، لكن بعض الشر أهون من بعض.
ومن قواعد الشريعة ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما، فإذا ارتكب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما فإن هذا أمر مطلوب.
فالحاصل أن الانتخابات في الأصل هي وافدة على المسلمين وليست مما جاء به دينهم، والمشاركة فيها إذا كان سيترتب على ذلك ترجيح جانب من فيه خير على من فيه شر ولو ترك ترجح جانب من فيه شر، فلا بأس بذلك، وكذلك عندما يكون كل منهما شرير، ولكن أحدهما أخف، وأريد ترجيح جانب من كان أخف، كما ذكرت في حق الكافرين اللذين يرجح جانب أحدهما من أجل عدم حصول الضرر من ذلك الذي يكون أشد خبثاً وحقداً على المسلمين، فإنه والحالة هذه يسوغ الانتخاب لهذه القاعدة بارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما.
فلا يجوز أن يشارك في الانتخابات إلا إذا كان الأمر يدور بين خير وشر، وإذا لم يشارك في تأييد الخير سيتقدّم الشرير على غيره، فيجوز الدخول في الانتخابات من أجل تحصيل هذه المصلحة، أو يكونا اثنين خبيثين لكن أحدهما أخف على المسلمين من الآخر، ويمكِّنهم من إقامة شعائرهم، فمثل هذا إذا رجح جانبه من قبل الأقليات الإسلامية لا بأس بذلك؛ لأنهم لا يختارون إماماً للمسلمين، وإنما يختارون واحداً متعاطفاً معهما، فهما شران لا بد منهما، وبعض الشر أهون من بعض، فمن كان أصلح لهم وأخف ضرراً عليهم فإن ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما أمر مطلوب.
والحاصل: أن الدخول في الانتخابات ليس على إطلاقه، والأصل ألا يدخل فيها إلا إذا حصل في الدخول مصلحة بأن كان الأمر دائراً بين شرير وطيب، أو بين شريرين أحدهما أخف من الآخر، وكان ترك المشاركة يؤدي إلى تغلب من هو أخبث وأشد؛ ففي هذه الحالة لا بأس بذلك من أجل ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما.